الدكتوره بشرى حنون محسن / كلية العلوم الاسلامية / جامعة كربلاء
لجأ الشاعر العربي الحديث والمعاصر في سياق تجربته الشعرية الى المرجعية الدينية ” ليبحث عن مدى لصوته وأصداء لتجربته، ويفتش عن وجوه تعكس تجربته أو تؤكدها أو تضيف إليها ،وهنا يكون اتجاه الشاعر إلى الأصوات الشعرية مقصوداً، ويكون انتقاء الوجوه التراثية عقلياً، ومشروطاً بالتجاوب الإنساني بالمعنى الرحب للكلمة”([1])، وقد تأثر الأدب الحديث بالنصوص الدينية, وهو تأثر طبيعي لما لهذه النصوص من تأثير على مجمل جوانب الحياة. ولا يكاد يخلو ديوان من دواوين الشعر الحديث من الإشارات والرموز الدينية التي يتم اقتباسها لبث مضامين جديدة من خلالها. وقد لجأ الشعراء إلى الكتب المقدسة فنهلوا منها, وقد زودتهم (التوراة والإنجيل والقرآن) بموضوعات جعلوها سبيلا فنيا للتطرق إلى المفاهيم والأفكار التي ينشدون عرضها, وقد استعملوا الإشارات والرموز والدينية بوعي تام وأجادوا في ذلك – وان كنا لا نستطيع ان نعمم هذا القول على جل المنتج الشعري- بسبب ما تحمله تلك الإشارات من شحنة رمزية من ناحية ولكونها تمثل ركنا من أركان الثقافة الجمعية من ناحية ثانية, والحديث عن الرموز الدينية في شعرهم يدفعنا للحديث عن المنابع والموارد التي استلهموا منها رموزهم, أيا كان مصدرها رغم إن معظم الإشارات كما اشرنا تعود إلى الدين الإسلامي والدين المسيحي. وهناك دراسات كثيرة استعرضت توظيف الشعراء للمقدس الديني ودوافع التوظيف وفيها عدة آراء.
وقد انتخب شعراء الحداثة رموزهم وأقنعتهم لتعرية زيف العصر والانتكاسات التي تعرضت لها الامة ، وذلك من خلال توظيف الشخصيات السلبية أو الإيجابية في الموروث الحضاري, وبما يتلاءم وروح العصر ، ومتطلبات الحياة ، والهموم القومية والإنسانية والذاتية , ويختلف التوظيف للمقدس الديني باختلاف الشعراء والدوافع , فنرى في بعض القصائد الموضوع الديني ينسحب على القصيدة بكاملها، وفي قصائد أخرى المقدس يرد على شكل إشارات سريعة، مع أنها تمتاز بعمق دلالاتها وقوة إيحائها. وتتغير مواقف الشعراء من المقدس بين الاستعمال العابر للرمز الديني دون مراعاة لقدسية الرمز أو الشخصية الدينية , وبين التقديس وطلب العفو والمغفرة من الخالق.
[1] () الصوت وأبعاده، د. مشهور فوّاز، مجلة (عمّان)، عمّان، العدد 52، 1999 : 30.