من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
ألا حرّ يدع هذه اللّماظة لأهلها؟إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة، فلا تبيعوها إلاّ بها (1) -. [1]
اللماظة -بفتح اللام [2] -ما تبقى في الفم من الطعام، قال الشاعر يصف الدّنيا:
لماظة أيّام كأحلام نائم
«ألا حرّ» مبتدأ، و خبره محذوف، أي في الوجود. و قوله: «ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة» إشارة إلى قوله تعالى: «إِنَّ اَللََّهَ اِشْتَرىََ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوََالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ اَلْجَنَّةَ» . [4]
إنّ لبني أميّة مرودا يجرون فيه، و لو اختلفوا [5] فيما بينهم ثمّ كادتهم الضّباع لغلبتهم (1) -. [1] قال الرضيّ رضي اللّه عنه: و هذا من أفصح الكلام و أغربه، و المرود ها هنا مفعل من الإرواد، و هو الإمهال و الإنظار، فكأنّه عليه السلام شبّه المهلة التي هم فيها بالمضمار الذي يجرون فيه إلى الغاية، فإذا بلغوا منقطعها انتقض نظامهم بعدها (2) -. [2]
قال الفاضل المؤرّخ الأديب عبد الحميد المشهور بابن أبي الحديد: هذا إخبار عن غيب صريح، لأنّ بني أميّة لم يزل ملكهم منتظما لمّا لم يكن بينهم اختلاف، و إنّما كانت حروبهم مع غيرهم كحرب معاوية في صفين، و حرب يزيد أهل المدينة، و ابن الزبير بمكّة، و حرب مروان الضحّاك، و حرب عبد الملك ابن الأشعث و ابن الزبير، و حرب يزيد ابنه بني المهلب، و حرب هشام زيد بن عليّ، فلمّا ولي الوليد ابن يزيد و خرج عليه ابن عمّه يزيد بن الوليد و قتله، اختلفت بنو أميّة فيما بينهما، و جاء الوعد-و صدق من وعد به-فإنّه منذ قتل الوليد دعت دعاة بني العبّاس بخراسان، و أقبل مروان بن محمّد من الجزيرة يطلب الخلافة، فخلع إبراهيم بن الوليد، و قتل قوما من بني أميّة، و اضطرب أمر الملك و انتشر، و أقبلت الدولة الهاشميّة و نمت، و زال ملك بني أميّة،و كان زوال ملكهم على يد أبي مسلم، و كان في بدايته أضعف خلق اللّه و أعظمهم فقرا و مسكنة، و في ذلك تصديق قوله عليه السلام: «ثمّ كادتهم الضباع لغلبتهم» . [1] انتهى.
قلت: و لفظ الضباع قد يستعار للأراذل و الضعفاء. و نحن قد ذكرنا شرح حال الخلفاء و ما وقع في أيّامهم في كتابنا المسمّى بـ «تتمّة المنتهى في وقايع أيّام الخلفاء» .
[1] نهج البلاغة، الحكمة 456.
[2] في أساس البلاغة و الصحاح و غيرهما: اللماظة-بضمّ اللام.
[3] قبله:
و ما زالت الدنيا يخون نعيمها # و تصبح بالأمر العظيم تمخّض
لماظة أيّام كأحلام نائم # يذعذع من لذّاتها المتبرّض
كذا في أساس البلاغة-14-لمظ.
[4] سورة التوبة (9) -111.
[5] في النهج: قد اختلفوا.
[1]نهج البلاغة، الحكمة 464.
[2] نهج البلاغة، ص 557.