البناء النفسي للإنسان وفق منهج القرآن

بقلم الدكتورة مواهب صالح مهدي – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء

من ضمن السلسلة اقتفينا فيها الهدف العام للقرآن في بناء الإنسان نتحدث في هذه المقالة عن بناء النفس الإنسانية وطبيعة وماهيّة العاطفة وأنواع الذكاء المذكورة في القرآن الكريم ودور القران في بناء القيم التربوية وأثرها في توجيه السلوك مثل دور الاسرة والمجتمع في تنميتها بما جاء في القرآن الكريم
طبيعة النفس الانسانية :
لا يعلم طبيعة النفس الانسانية إلا الله عز وجل ، وهي المصدر الاساسي للسلوك ، تكمن فيها معرفة الله عز وجل وهو من أودع فيه هذه الفطرة التوحيدية يشير القرآن إلى ذلك في قوله:” وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا ، أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ” (الأعراف 172)
وعلم الله بها : “وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعلم مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ” ق 16
-ومعرفة الخير والشر :” ونفس وما سوّاها ۝ فألهمها فجورها وتقواها ۝ قد أفلح من زكاها ۝ وقد خاب من دسّاها ” الشمس الآيات (7-10)
وينمي في النفس البشرية امر مهمة مثل ً النيّة والارادة والتحمّل حيث يوصي نبيه الاكرم وخطابات القران بالتبع لكل نفس بشرية :” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ولاتعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولاتطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرُطا ” سورة الكهف آية 28
كما يبين القران ان النفس الانسانية تقبل التزكية اوترفضها بالاختيار حين يقول:
” ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها” الشمس آية 7 وهي ذات طبيعة متغيّرة بتغيّر عدة عوامل منها النضج والبيئة وغيرها … ولكي يكون التغيير ايجابياً يجب مراعاة عدّة أمور منها
-مراتب النفس الانسانيّة :
حيث تمر النفس بحركة جوهرية نحو الكمال او التسافل فتبدا بالأمّارة بالسوء لتصل إلى راضية مرضية ،فقواها مختلفة (النفس الشهوانيّة ، العدوانيّة ، الأنانيّة ) ترتقي لتصل إلى ان تكون لوامة يحدثنا عنها ربنا كقوله :” وما أبرّئ نفسي إنّ النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربّي إن ربي غفور رحيم” يوسف 53
تراجع نفسها وتحاول العودة به إلى الحق والاستغفار والطريق المستقيم ( تفعل الذنب ثمّ تلوم عليه )شاهده من القران: ” لا أقسم بيوم القيامة ∗ ولا أقسم بالنفس اللوّامة ” القيامة آية (1-2)
ثُمَّ ترتقي ماهيّتها الى أرقى مراتب النفس بإيمانها بالله وملائكته وكتبه ورسله زاليوم الآخر والقدر خير وشرّه وهي تعادل في الذكاء العاطفي الذات الايجابية والمتسامحة والقادرة على فهم الاخرين وتعادل الرضا عن الذات وقبولها ” يا أيّتها النفس المطمئنّة ۝ ارجعي إلى ربّك راضية مرضية ۝ فادخلي في عبادي ۝ وادخلي جنّتي ) الفجر( 27-30)
– المشاعر النفسية في القرآن :
يتحدث القران الكريم عن المشاعر الإنسانية مثل الإشفاق والألم المعنوي وغيرها ويهذب بإيجاد توصيات لتصل إلى حالة من التواز ن في التفاعل النفسي كما في قوله تعالى :
:” لعلّك باخع نفسك الا يكونوا مؤمنين” الشعراء آية 3 كيفيّة تنميتها : تعزيز عواطف الشفقة ومشاركة الآخرين أحزانهم وآلامهم:” أفمن زيّن له سوء عمله فرءاه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إنّ الله عليمٌ بما يصنعون” فاطر آية8، ويتحدث عن مشاعر أخرى مثل الخوف ” فأوجس في نفسه خيفةً موسى “طه67
يتحدث عن مشاعر الحب والانجراف نحو ماتهوى النفس البشرية “إن هي إلاّ أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى “النجم آية 23
وانواع اخرى من الميل النفسي (الرغبة ، الشهوة ، تذوق الطعام والشراب ، الشعور المعنوي بالتعب والجهد، الشح والبخل ، النوايا والهواجس ) يدعوا إلى التحكم بها وخلق حالة التوازن بينها “فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين”آل عمران 159
والقران لايدعوا إلى كبت الملذات بل ياعطي منهج للذة بها من الحلال الطيب ومن يحرف ايضا يبشره بالعوض الاخروي:“يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وأنتم فيها خالدون” الزخرف.
ان وعي بانفعالاته ومشاعره يمكنه من السيطرة عليها خصوصا إذا علم ان هناك رقيب قيوم ياتيه بحقوقه اما في الدنيا او في الآخرة دليلها ” قد نعلم إنّه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لايكذّبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون۝ ولقد كذبت رسلٌ من قبلك فصبروا على ما كذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدّل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين ” ( 33-34) الانعام
يعطي القران طريقا لفتح باب الامل مهما اشتدت الازمات النفسية وذلك من خلال اللجوء إلى الله تعالى ” قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ” 86 يوسف،ويرسم منهجية للتكيّف مع الانفعالات” لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ” الحديد 23 نكتفي بهذا القدر وسوف نتبعه بجزء اخر نتحدث عن خصال نفسانية اخرى يساهم القران في بناءها وتنميتها والحمد لله رب العالمين