أسلوب القرآن الكريم للتصدي للتطرف الفكري

بقلم الدكتورة مواهب الخطيب /جامعة كربلاء -كلية العلوم الاسلامية

المقدمة : من أهم المواضيع التي ناقشها القرآن الكريم بل وكل الكتب السماوي حيث انه ينهى عن التطرف الفكري ويدعوا الى التعايش السلمي ولقد باتت هذه الظاهرة المذمومة تعود من الجاهلية الأولى الى الجاهلية المعاصرة وتخترق النظام السياسي والاجتماعي الاسري تؤدي الى دوام الصراعات وتهدد الامن والاستقرار
المطلب الأول : التعرف بالكليات
1- مفهوم التطرف : ضد الوسطيه عرفه المتخصصون امثال الدكتور الفرغولي ( بأنه التجاوز عن الحد الوسط مع التعصب للرأي ولا يعترف معه للأخرين بوجود كتاب ( أسباب الانحراف)
2-في الاستعمال القرأني
لم يرد مصطلح ( تطرف ) بل ورد بصيغ أخرى مثلا عند التحدث عن التطرف الديني يستخدم مصطلح ( الغلو ) [ يا اهل الكتاب لاتغلوا في دينكم] ( النساء 171)
المطلب الثاني : بواعث التطرف
1-عدم الوعي والادراك 2- التقليد الاعمى 3- الانغلاق الفكري والتعصب 4-الاحتكام الى الاهواء 5- الشعور بالنقص 6- الشعور بالتميز العنصري
المطلب الثالث :اثار التطرف
1-بث الفرقة 2- زعزعت الامن النفسي والمجتمعي 3- اتهام الناس المخالفين بالرأي بالباطل وقصاءهم .
4- تدهور النتاج الفكري بسبب اقصاء المفكرين الابداعين 5- انتشار الفكر الخطأ والمتطرف ووسعت قرعته
المطلب الرابع: أنواع التطرف والتعصب
أما أنواع التطرف فقد وردت في القرآن الكريم إشارات إلى أنواع كثيرة مثل
أولا : التطرف الفكري : وهو أكثر أنواع التعصب الذي ورد في القرآن الكريم لأكثر من أربعة وستون آية قرآنية وأخطرها نذكر منها قوله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}
ثانياً : التطرف في تقديس الموروث : نجد أن هذا التعصب موجود على مر العصور لمواجهة الأنبياء والرسل حيث ورد لأكثر من سبعة عشرة آية قرآنية نذكر منها قوله :قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَاللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .
ثالثاً : التعصب الطبقي : وهـــــــــــذا النــــــــــــــــوع من التعـــــصب يرى فيه الإنسان انـــــه أعلى وأفضـــل من بقية أبناء جنسه برؤية استعلائية {فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ}
رابعاً : التعصب القبلي العشائرية قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إِنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
خامساً : التعصب الذاتي : وهو الذي يوصل الإنسان تأليه ذاته قال تعالى عن فرعون موسى {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}
سادساً : التعصب الحزبي أو الفئوي : قال تعالى يصف المتعصبين إلى أحزابهم بقوله : {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}
سابعاً : التعصب الممزوج بالجهل : وهذا النوع من التعصب يكون بدافع الجهل والغباء والحمق قال تعالى :{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ}
ثامناً : التعصب القبلي : وهذا النوع من التعصب هو ما نعيشه اليوم والذي جرنا لويلات واقتتال داخلي بين أبناء البلد الواحد وقد عالج القرآن الكريم بقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}
المطلب السادس :علامات التعصب الفكري
أولاً : كثرة الجدال : من علامات المتعصب الفكري هو كثرة الجدال بغير دليل أو سلطان وإن كانت الأدلة والبراهين واضحةً وجليةً أمامه كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى ذلك بقوله : {وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ}
ثانياً : التمسك بالحجج والأدلة الواهية :
{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا})
ثالثاً : الاستكبار والعناد : قال تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
رابعاً : الاستهزاء واللعب : من شدة التعصب الفكري هو الاستهزاء بالآيات وبالرسول ( صل الله عليه وآله وسلم ) قال تعالى : {فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
خامساً : تقديس الماضي وتقليد الآباء : من جملةِ ما تعرض له الأنبياء والرسل
{فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ}.
. المطلب السابع :نتائج التعصب الفكري
أولاً : الختم على القلب{خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}.
{جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا}
ثانيا: حرمانهم من الفهم كما قال تعالى
{وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ وَمِنْهُم مَّن يَنظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يُبْصِرُونَ}

المطلب الثامن :أساليب القران في التصدي للتطرف الفكري وأمثلته التطبيقية
1-إقرار مبدا الحوار والنقاش
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
عدم الاجبار والاكراه لتقبل الحق 2
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ}
3- الاعراض والتجاهل {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ}
4-تحميلهم مسؤولية خياراتهم

{إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيل}
5-بقاء باب الاستغفار والتوبة مفتوح للمتعصبين فكرياً
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}
6-لا تكون العقوبة بأكثر منها
{إِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ}
الخاتمة ونتيجة البحث
وأخيراً وفي نهاية بحثنا انتهينا إلى جملة من النتائج ومنها ما
1-إن التطرف الفكري موجود منذ أن خلق الله تعالى آدم ( عليه السلام ) مستمراً حتى يومنا هذا .
2- لم نجد أن القران الكريم يحث على الإرهاب والتطرف والتشدد كما يروج له أعداء الإسلام وإنما وجدنا العكس من ذلك ؛ فقد كان محذراً منه بشدة ومبيناً مدى خطورته ومحذراً المسلمين من أن يقعوا فيه كما حصل مع الذين من قبلهم .
3-استطاع القرآن الكريم أن يحقق ما عجزت عنه الدراسات الحديثة والمعاصرة في علم النفس والاجتماع التي اقتصرت على نوع واحد تقريباً وهو التعصب العنصري وذلك بتحديد أكثر من نوع للتطرف الفكري .
4-أعطى القرآن الكريم خطة واضحة ومفهومة في معالجة التعصب الفكري ابتداءً بتوضيح أنواعه وضرب الأمثلة والتشبيه ليتم رسوخها في ذهن المتلقي أكثر وانتهاءً بطرق المعالجة الفعلية له .
5-يتدرج التعصب على مراحل ويتطور بالتدريج لذلك فإن معالجته بالمراحل الأولى تكون أسهل وأيسر وهي بمثابة الوقاية منه .