من خطب الامام علي (ع)- خطبة 23

نهج البلاغة

المصدر: خطب الإمام علي ( ع ) ( تحقيق صالح )

https://ablibrary.net/#/reading/booklist/3556/33

ومن خطبة له ( ع ) وتشتمل على تهذيب الفقراء بالزهد وتأديب الأغنياء بالشفقة
تهذيب الفقراء
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ – كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إِلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا – مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ – فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لأَخِيه غَفِيرَةً – فِي أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ – فَلَا تَكُونَنَّ لَه فِتْنَةً – فَإِنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ – فَيَخْشَعُ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ ويُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ – كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ – مِنْ قِدَاحِه تُوجِبُ لَه الْمَغْنَمَ ويُرْفَعُ بِهَا عَنْه الْمَغْرَمُ – وكَذَلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ – يَنْتَظِرُ مِنَ اللَّه إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ – إِمَّا دَاعِيَ اللَّه فَمَا عِنْدَ اللَّه خَيْرٌ لَه – وإِمَّا رِزْقَ اللَّه فَإِذَا هُوَ ذُو أَهْلٍ ومَالٍ – ومَعَه دِينُه وحَسَبُه – وإِنَّ الْمَالَ والْبَنِينَ حَرْثُ الدُّنْيَا – والْعَمَلَ الصَّالِحَ حَرْثُ الآخِرَةِ – وقَدْ يَجْمَعُهُمَا اللَّه تَعَالَى لأَقْوَامٍ – فَاحْذَرُوا مِنَ اللَّه مَا حَذَّرَكُمْ مِنْ نَفْسِه – واخْشَوْه خَشْيَةً لَيْسَتْ بِتَعْذِيرٍ – واعْمَلُوا فِي غَيْرِ رِيَاءٍ ولَا سُمْعَةٍ – فَإِنَّه مَنْ يَعْمَلْ لِغَيْرِ اللَّه يَكِلْه اللَّه لِمَنْ عَمِلَ لَه – نَسْأَلُ اللَّه مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ ومُعَايَشَةَ السُّعَدَاءِ – ومُرَافَقَةَ الأَنْبِيَاءِ –
تأديب الأغنياء
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّه لَا يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ – وإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ عَنْ – عِتْرَتِه ودِفَاعِهِمْ عَنْه بِأَيْدِيهِمْ وأَلْسِنَتِهِمْ – وهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِه وأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِه – وأَعْطَفُهُمْ عَلَيْه عِنْدَ نَازِلَةٍ إِذَا نَزَلَتْ بِه – ولِسَانُ الصِّدْقِ يَجْعَلُه اللَّه لِلْمَرْءِ فِي النَّاسِ – خَيْرٌ لَه مِنَ الْمَالِ يَرِثُه غَيْرُه – ومنها أَلَا لَا يَعْدِلَنَّ أَحَدُكُمْ عَنِ الْقَرَابَةِ يَرَى بِهَا الْخَصَاصَةَ – أَنْ يَسُدَّهَا بِالَّذِي لَا يَزِيدُه إِنْ أَمْسَكَه – ولَا يَنْقُصُه إِنْ أَهْلَكَه – ومَنْ يَقْبِضْ يَدَه عَنْ عَشِيرَتِه – فَإِنَّمَا تُقْبَضُ مِنْه عَنْهُمْ يَدٌ وَاحِدَةٌ – وتُقْبَضُ مِنْهُمْ عَنْه أَيْدٍ كَثِيرَةٌ – ومَنْ تَلِنْ حَاشِيَتُه يَسْتَدِمْ مِنْ قَوْمِه الْمَوَدَّةَ قال السيد الشريف أقول الغفيرة هاهنا الزيادة والكثرة – من قولهم للجمع الكثير الجم الغفير والجماء الغفير – ويروى عفوة من أهل أو مال – والعفوة الخيار من الشيء – يقال أكلت عفوة الطعام أي خياره – . وما أحسن المعنى الذي أراده ( ع ) بقوله – ومن يقبض يده عن عشيرته . . . إلى تمام الكلام – فإن الممسك خيره عن عشيرته إنما يمسك نفع يد واحدة – فإذا احتاج إلى نصرتهم واضطر إلى مرافدتهم – قعدوا عن نصره وتثاقلوا عن صوته – فمنع ترافد الأيدي الكثيرة وتناهض الأقدام الجمة.