د. محمد حسين عبود / كلية العلوم الاسلامية – قسم الفقه وأصوله
لاشك أن زيارة الإمام الحسين(عليه السلام), من المستحبات المؤكدة التي ندب اليها الشرع الحنيف ,كونها تعبر عن تلك الصفحة الإنسانية السامية مـن التضحية والفداء, والعطاء العظيم من الشهادة والفناء فــــي ذات الله , ولأنها تطبيق ميداني حي للدفاع عن معانـي الإصلاح والحرية والعدالة,يجسد أروع الملاحم البشرية في الدفاع عن الحقوق والحق يمــــكن القول أن الزيارة الأربعينية تكشف عن لــــــون من ألوان الشكر الرباني للأمام الحسين كجزاء عــــــــن ذلكم التفنن بالعطاء والجود لله سبحانه وتعالى وللإنسان.
من هنا ينكشف ويتبدى لنا السر في بقاء شعيرة الزيارة المباركة وتجذرها في القلوب وسعي الناس لإقامتها على مـر الدهور والعصور,رغم التحديات الخطيرة والعقبات العظيمة ,التي تنتظر الزائرين للــــــــــــمرقد الطاهر لسيد الشهداء(عليه السلام),كما أنه يزول العجب والإستغراب عندمــــــا نرى هذا السيل البشري المتوجه من آفاق الأرض الى المرقد الطاهر ومــــن مختلف الجنسيات والحضارات ,ليجدد الولاء لسيد الشهداء(عليه السلام).
ومــن الجدير بالإشارة والاهتمام أن الجغرافية المكانية للزيارة الأربعينية , الممتمدة مــــــــن أقصى البصرة الى كربلاء , والجغرافية الزمانية المتمثلة بأيام الزيارة الأربعينية المباركة المحصورة بين الواحد مـــــــن صفر حتى العشرين منه , تمثل فــــي واقعها ــ وبحسب تقدير الباحث ــ دولة مصغرة أو أنموذجا مصغرا ــ إن صح التعبير ــ لدولة الإمام المهدي(عجل) , وذلك بلحاظ الأمو الآتية:
أولاــ نوعية الأمن والأمان الذي تتمتع به أجواء الزيارة مـــن حيث الزمان والمكان,بحيث أنها تنعكس إيجابا على مجمل شخصية الزائر مـــن الناحية النفسية والصحية ونحوها,فتهب له اطمئنانا وسعادة لا يتسنى له الحصول عليها في غيرها من الأجواء.
ثانياــ التكافل الاجتماعي الذي يحقق نسبة عالية جدا مــــن الإكتفاء الذاتي لكل فــرد مــــــن الزائرين , فلا يمكن لنا أن نتصور الزائرين أو السائحين القادمين , سواء كان مــن داخل العراق أو من خارجه ,قد توجهوا لزيارة المرقد الطاهر ,مــــن غير أن يكونوا قد تهيئوا واصطحبوا ما يكفي لنفقات الزيارة وزيادة , ليغطوا تكاليف المنام والطعام والسفر ومــــا الى ذلك من النفقات التي يحتاجها كل مسافر وسائح وزائر غير أنهم ما إن يدخلوا فـي مضمار الزيارة الأربعينية, حتى يستغنوا تماما عن كل تلك النفقات ,ليجدوا أرقى أنــواع الخدمات مــــــــن المبيت والغذاء والدواء وكل ما يتصور من
حاجياته وما لا يتصور منها , بل إن الخدمات المجانية والطوعية المقدمة للزائرين , لا تقتصر على مـــــــجرد التقديم فحسب , وإنما يتفنن ويتوسل المقدمون لها بأن تقبل خدماتهم ؛ لذا ترى أنهم يتسابقون ويتنافسون فـي تقديمها , حتى أن الزائر يقطع بأنه يتعامل مع لون من البشر هم للملائكة للملائكة أقرب منهم للآدمية , هــــذا بلحاظ الأعداد المليونية الهائلة التي تعجز للقيام بالواجبات اتجاهها أعظم الميزانيات لأعظم الدول وأغناها.
ثالثاــ استغراق جموع الزوار في هدف واحد يتمثل بزيارة المـــرقد الطاهر , والتشرف بأن ينهلوا من رحيق النهضة الحسينية المباركة, الأمر الذي تضيع معه كـــــل الفوارق وتتوحد فيه كل الجهود والطاقات ,وتذوب معه كل أنواع التمييز العرقي والجنسي والقومي والطائفي وهو مـــالا يمكن أن
تجد له نظير في كل آيدلوجيات العالم وحضارته قديما وحديثا.
والواقع إن هذه الصور المتميزة , إنما هي ترجمان حـــــي ومثال مصغر لدولة الإمام المهدي(عجل),التي ستنعم بهذه الألوان من النعم ,التي ستعم كل العالم من أقصاه لى أقصاه.