م.آلاء عبد الكاظم – كلية العلوم الاسلامية/ قسم الدراسات القرآنية
يمثل الصحفي والقاص جعفر الخليلي مدرسة حقيقية في عالم الصحافة والادب ,ومن يطلع على سيرته المهنية سيجد انها مفعمة بالاجتهاد والابداع ففي مطلع القرن العشرين تقدم الخليلي الى ميدان الصحافة وبرع في مجالاتها وفنونها ايما ابداع ,حيث تبنى الخليلي اصدار ثلاث صحف هي الفجر الصادق والراعي والهاتف وكانت هذه الصحف نواة اسست لمدرسة صحفية نجفية شاركه فيها يوسف رجيب ومحمد مهدي الجواهري ,ليشكل الثلاث اعمدة مهمة في تاريخ الصحافة العراقية وقد نافست جريدة الهاتف التي اصدرها الخليلي في النجف ونقلها الى بغداد الصحف البغدادية في التوزيع والنشر كما تفردت في فتح ابوابها لكوكبة من النقاد والادباء والشعراء العرب للكتابة فيها كما كان لعالم الترجمة حصة في صفحات هذه الجريدة
ولربما كان الخليلي اول صحفي عراقي يخوض غمار الصحافة محتفظا بحياديته واستقلاله وسط تجاذبات سياسية تورطت فيها الصحافة الحزبية في العراق آنذاك واذا جاز لنا المقارنة بين تجربة الخليلي قبل اكثر من نصف قرن والتجارب الصحفية في عالمنا اليوم فسننحاز لتجربة الخليلي ورؤيته وقدرته على اداء دوره بأمانة وصدق وايمان بأن الصحافة رسالة سامية تستهدف تعميق الوعي بين الجمهور ومحاربة الآفات والجهل والفساد ,ولعل السبب في انحيازه هو تلك الشجاعة التي تحلى بها رغم العوز المادي الذي كان يعيشه ,حيث اضطر الخليلي الى بيع اثاث منزله وبعض حاجات عائلته من اجل شراء الورق لطبع جريدته وبقائها صامدة لأكثر من عشرين عاما.
كما ان الخليلي تمسك بأخلاقيات الاعلام تحت اصعب الظروف ولم يفرط بسمعته وكرامته رغم التهديدات التي تعرض لها ورغم الاغراءات المالية التي قدمت له وكاد يفقد حياته ؛لأنه واجه بشجاعة منهج الظلام ودعا الى الاصلاح في مجال الخطابة على المنابر الدينية.
وقد كان لشخصه وثقافته دور كبير في جعل مهنة الصحافة مهنة محترمة تحظى باحترام مختلف الطبقات ,حيث كان مقر جريدته في بغداد بمكان ادبي وثقافي واعلامي يجتمع عنده العشرات من السياسين والادباء ووجهاء المجتمع ,ولربما تفتقد الصحافة العراقية اليوم لمثل هذه الشخصية الجامعة الفذة التي وصل صدى نتاجها الى العالم العربي ودول العالم الاخرى, الامر الذي دعا طالب دكتوراه امريكي (توماس هامل) بان يخصص موضوع اطروحته عن جعفر الخليلي واصداراته
ومن المفيد القول ان الخليلي كان يكره الخوض في غمار السياسة لأنها برأيه تفتقر لمبادئ الاخلاق وتتعارض مع رسالة الصحافة, التي كان يريد فيها ان تبقى منبرا لأوساط الجماهير ونافذة الادب والثقافة ,وفي مجال اخر تميز الخليلي في كل نتاجاته بأناقة الكلمة وتهذيب الخطاب وجمال الاسلوب ,والقدرة الكبيرة على توظيف اللغة العربية والثقافة العالية مما جعل من شخصيته شخصية موسوعية ألّمت بمختلف العلوم وهذا ما يجب ان يكون عليه الصحفي ,وهذا ما نفتقده اليوم في كثير من الصحفيين العراقيين … ونحن هنا ندعوا الجهات المعنية العلمية الاكاديمية والجهات الاعلامية, لاستنباط الدروس والاستفادة من هذه التجربة الثرة وتضمين مناهج الصحافة العراقية في كليات الاعلام بصفحات من تاريخ الصحافة عامة وصحف الخليلي وتجربته خاصة.