من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
إنّ الأمور إذا اشتبهت اعتبر آخرها و بأوّلها
روي: «إذا استبهمت» ، و المعنى واحد و هو حقّ، و ذلك أنّ المقدّمات تدلّ على النتائج، و الأسباب تدلّ على المسبّبات، فإذا اشتبهت أمور على العاقل الفطن و لم يعلم إلى ما ذا تؤول، فإنّه يستدلّ على عواقبها بأوائلها، و على خواتمها بفواتحها
أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل لكانت لذلك أهلا:
لا يرجونّ أحد منكم إلاّ ربّه، و لا يخافنّ إلاّ ذنبه، و لا يستحينّ أحد منكم إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: لا أعلم، و لا يستحينّ أحد[منكم]إذا لم يعلم الشّيء أن يتعلّمه، و عليكم بالصّبر، فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، و لا خير في جسد لا رأس معه، و لا خير في إيمان لا صبر معه
كنّى عليه السّلام بضرب آباط الإبل عن الرحلة في طلبها، و ذلك لأنّ الراكب يضرب إبطي راحلته برجليه ليحثّها على السير
فأحد الخمس: الرجاء للّه دون غيره، و من لوازم ذلك إخلاص العمل له، و دوام طاعته.
و الثانية: أن يخاف ذنبه دون غيره، و ذلك لأنّ أعظم ما يخافه الإنسان هو عقاب اللّه، و لمّا كان إنّما يلحق العبد بواسطة ذنبه فبالأولى أن يجعل الخوف من الذنب دون غيره.
الثالثة: عدم استحياء من لا يعلم الشيء من قول «لا أعلم» ، فإنّ الاستحياء من ذلك القول يستلزم القول[العمل]بغير علم و هو ضلال و جهل يستلزم إضلال الغير و تجهيله و فيه هلاك الآخرة. قال صلّى اللّه عليه و آله:
من أفتى بغير علم لعنته ملائكة السماء و الأرض
الرابعة: عدم استحياء من لا يعلم الشيء من تعلّمه، و إلاّ لبقي على جهله و نقصانه.
قالوا: من استحيا من المسألة لم يستحي الجهل منه.
و كان يقال: يحسن بالإنسان التعلّم ما دام يقبح منه الجهل، و كما يقبح منه الجهل ما دام حيّا كذلك يحسن به التعلّم ما دام حيّا الخامسة: فضيلة الصبر و الأمر باقتنائها، لأنّ كلّ الفضائل لا تخلو منه، و أقلّ ذلك الصبر على اكتسابها ثمّ على البقاء عليها، و لذلك شبّهه من الإيمان بالرأس من الجسد، و ذلك لأنّ الصبر لمّا كان موجودا في كلّ الفضائل الّتي مجموعها هو الإيمان فلا يقوم إلاّ به أشبه الرأس من الجسد في عدم قيامه بدونه، ثمّ أكّد التشبيه و المناسبة بينهما بقوله: لا خير في جسد… إلى آخره.