من كتاب “مباحث في فقه الحدود والجنايات والتعزيرات دراسة مقارنة“
للدكتورة ناهدة جليل الغالبي ـ جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية
يجب القصاص فما تمكن فيه المماثلة بين المحلين في المنافع والفعلين وهي : في الجناية عمدا على النفس ، وفي الجناية عمدا فيما دون النفس.
شرائط القصاص :
ولابد من توافر عدة شروط لاستيفاء القصاص في كل من القاتل والمقتول ، واذا فقد أي شرط من هذه الشروط يقتضي بالضرورة ايقاف القصاص نفسه.
- البلوغ والعقل : اتفق الفقهاء لثبوت القصاص ، لابد ان يكون القاتل بالغاً ، فان الصبي لا قصاص عليه([1])، لحديث الرسول (ص) (رفع القلم عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يحتلم) ([2]).
وعند الامامية تجب الدية لاولياء المقتول على عاقلة الطفل ، باعتباره عمده خطأ محضا([3])، واستدلوا على ذلك بمعتبرة اسحاق بن عمار عن الامام الصادق (ع) ، عن ابيه الامام الباقر (ع) قال : (ان عليا (ع) كان يقول : عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة) ([4])، في حين اوجب البعض الكفارة على الصبي يخرجها الولي من مال الطفل([5]).
وكذلك الحكم في المجنون القاتل ، من دون فرق ان يكون المقتول عاقلا او مجنونا ، صغيرا او بالغا ، وعند الامامية ان عمد المجنون خطأ ، لصحيحة محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال : (كان امير المؤمنين علي (ع) يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأ كان أو عمداً) ([6]).
واما السكران الذي يقترف جناية القتل حال سكره ، فانه يجب عليه القصاص لانه مكلف بالاحكام الشرعية ، فيكون آثما عاصيا عامداً. ذهب الى ذلك مشهور الامامية والشافعية والحنابلة والمالكية([7]).
واستدلوا على ذلك بروايات عدة منها ، معتبرة السكوني عن الامام الصادق (ع) قال : (كان قوم يشربون فيتباعجون بسكاكين… فقال علي (ع) : بل اجعل دية المقتولين على قبائل الاربعة ، واخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين) ([8]) .
ونلاحظ ان مورد الاستدلال بان الاخذ من القبائل الاربعة لعاقلة السكارى الاربعة ، فوجوب القود على السكران المتعدي بسكره ، اذا قتل انسان معصوم الدم ، وخالف في ذلك الحنفية والظاهرية([9])، اذ قالوا : لا قصاص على السكران لانه لا يعقل.
- ان يكون القاتل قاصدا القتل ، فان كان القاتل مخطئا فلا قصاص عليه ، للادلة على ذلك منها قوله (ص) (العمد قود) ، وهذا متفق عليه عند المذاهب الاسلامية([10]).
- ان يكون القاتل مختارا غير مكره ، وقد بينا مفصلاً ذلك ، واتفق الفقهاء على ذلك الا ابو حنيفة وصاحبيه والشافعي ان الاكراه ليس شرطا لوجوب القصاص([11]).
- ان لا يكون القاتل أبا للمقتول : اجمع فقهاء الامامية ، الاب لا يقتص منه اذا قتل ولده([12]) ، واستدلوا على ذلك برواية حمدان بن اعين ، عن الامام الباقر (ع) قال : (لا يقاد والد بولده) ([13]) ، ويشمل الحكم على بنت القاتل ايضا لان الولد يطلق على المولود ذكرا كان او انثى ، ويشمل لفظ الوالد الجد وان علا للاطلاق المعروف لغة ، وهذا الحكم عندهم مختص بالاب وان علا ، دون الام التي يقتص منها اذا قتلت ولدها.
واما الولد فيقتل بابيه وامه ، للروايات الواردة على ذلك منها رواية حمدان عن الامام الصادق (ع) : (…. ويقتل الولد اذا قتل والده عمداً) ([14]).
والاب اذا قتل ولده عمدا الدية في ماله ، ولا يرث الاب شيئا منها ، والكفارة بجميعها ، لانه قاتل عامد ، والتعزير بما يراه الحاكم([15]) ، واستدلوا على هذه الاحكام بروايات عدة([16]).
اما الحنفية والشافعية والحنابلة وآخرون ، فعندهم ان لا يكون المقتول جزءا من القاتل ، كما لو كان فرعا للقاتل وان علا ، كالولد اذا قتله الاب ، او الحفيد اذا قتله الجد ، وكذلك الولد اذا قتلته الام ، او الحفيد اذا قتلته الجدة([17]).
اما المالكية ذهبوا الى ان لا يقاد الاب بابنه الا ان يضجعه فيذبحه ، فاذا كان بسيف او عصا فقتله فلا يقتل به ، وكذلك الجد مع حفيده([18]).
ولا خلاف على وجوب الدية عند فقهاء المذاهب الاسلامية على الاب القاتل ، ولا يقتل الاب الكافر بولده المسلم ولا الاب العبد بولده الحر للعموم ، وشرف الابوة ، وعلى العكس اذا قتل الولد اباه الكافر لا يقتل به ، او قتل الولد الحر اباه العبد ، لم يقتل به ، لعدم التكافؤ([19]).
- ان يكون المقتول معصوم الدم : لا شك ان الشريعة الاسلامية (اباحت دماء من كان مرتدا او زانيا محصنا او محاربا ونحو ذلك، وعلى ذلك ليس عليه قصاص ولا دية ، ولا كفارة على القاتل ، ويكون آثم في بعض الحالات ، باعتبار كون قتله حداً ، منوط بالحاكم الشرعي ، وان كان غير معصوم الدم في نفسه واتفق على هذا فقهاء المذاهب الاسلامية([20]).
وهناك عدة مسائل يجب ايضاحها لتعلقها بهذا الشرط .
[1]– كفاية الاخيار ، ص457 ؛ المغني ، 9/357 ؛ البحر الزخار ، 6/227 .
[2]– الجامع الصغير للسيوطي ، 2/16 .
[3]– مباني تكملة المنهاج ، 2/184 .
[4]– الوسائل ، ج29 ب11 من ابواب العاقلة ح2 .
[5]– بداية المجتهد ، 2/449 ؛ المغني ، 9/243 .
[6]– الوسائل ، ج29من ابواب القصاص .
[7]– الشرائع ، 4/435 ؛ مغني المحتاج ، 4/15 ؛ المغني ، 9/665 ؛ اسهل المدارك ، 3/117 .
[8]– الوسائل ، ج19 ب1 من ابواب موجبات الضمان ح2 .
[9]– المحلى ، 10/344 ؛ المبسوط للسرخسي ، 26/185 .
[10]– البدائع ، 7/234 ؛ بداية المجتهد ، 2/395 ؛ تحفة الفقهاء للسمرقندي ، 3/99 .
[11]– البدائع ، 7/235 ؛ مغني المحتاج ، 4/9 .
[12]– الجواهر ، 42/169 ؛ الشرائع ، 4/214 .
[13]– الوسائل ج29 من ابواب القصاص .
[14]– الوسائل ج29 من ابواب القصاص .
[15]– جواهر الكلام ، 42/169 .
[16]– الوسائل ، ج29 ب32 من ابواب القصاص .
[17]– البدائع ، 7/235 ؛ مغني المحتاج ، 4/10 ؛ المغني ، 9/486 .
[18]– بداية المجتهد ، 3/400 ؛ تحفة الفقهاء ، 3/101 .
[19]– اللمعة الدمشقية، 2/439 ؛ المغني ، 9/360 .
[20]– جواهر الكلام ، 42/12 ؛ المغني ، 9/343 ؛ بداية المجتهد ، 2/399 ؛ البدائع ، 7/237 .