الدكتور أمجد كريم الفاضل/ جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية
حين يتأمل المشاهد لشوارع العراق المتصلة بشوارع دول الجوار وهي تنقل الملايين من المحبين لأهل البيت عليهم السلام وهم مرهقون من واقعهم المزري وظلم حكوماتهم والحروب بالوكالة التي تطحنهم ومعاناة الحصار أو الجوع والفقر أو الجهل وسوء التعليم ..
وهم يحملون ذنوبهم وخطاياهم الشخصية تكاد تكسر ظهورهم ..
وهم متعبون من آثار الحياة المريرة في زمن الغيبة والحيرة..
تجري بهم الشوارع بانسيابية عالية تناسب الحركة الفطرية من دون تكلف ولا مشقة ..
يعلم المشاهد المتابع لكل ذلك يقينا أن تلك الشوارع ما هي إلا أوردة تنقل حركة تلك الحشود التي هي دم الوجود المحمل بأعباء ثاني أوكسيد الحياة .. الى قلب الأمة النابض وكفيلها الضامن وموضع ثقل ثأرها الحق ووعدها الصادق وفجرها القادم ..
أوردة هي الشوارع .. يتحرك موضع قبر الإمام الحسين عليه السلام بانبساط.. ليجذب كل تلك الملايين المتعبة المصابة .. فإذا وصلوا تحت قبته الشريفة ومست أطراف ذنوبهم أطراف ضريحه المقدس .. تحرك بانقباض ليعيد ضخّهم عبر الشوارع التي تصبح شرايين ملئى بالناس وهم دم الوجود الحي الذين يحملون الأوكسجين الى كل الخلايا التي انطلقوا منها ..
يعودون لينتعش بهم جسد الأمة وقد حملوا معهم غذاء الارواح المحبوسة بين الغيبة والحيرة .. غذاء من الأمل بالظهور ودعاء تعجيل الفرج وطهارة الارواح والانفس والقلوب والضمائر والاجساد والعقول .. طهارة ونقاوة يمنحها الإمام الحسين عليه السلام لكل من زاره عارفا بحقه .. ومعها شفاعته والعتق من النار ودخول الجنة البتة.
منذ ما يقرب من ألف وأربعمئة سنة وقلب الأمة ينبض بالحياة .. وكل فرد غاب عن تنقيته المستمرة وتطهيره الدائم استشعر مرارة البعد وحرارة الشوق وألم الفراق وثقل أعباء الحياة ومرارة الذنوب وشدة عداوة الشيطان وحزبه اللعناء..
هو الحسين عليه السلام القلب الذي تموت الأمة إذا تركت زيارته فيقع في دمها وخلاياه حينئذ قانون الاستبدال.. فالخلية الفاسدة ولا تزور القلب تتلف في مقبرة طحال الأرض لتستبدل بأخرى حية بالقلب عارفة بحقه مقرة بفضله لا تترك زيارته ..
تخرج من القلب متدفقة وقد تطهرت ونُقّيت وهي عارفة أيضا بوظيفتها في الحياة عاملة بها ..
حشود الزائرين يتدفقون بالأمل عائدين الى مواقعهم الأولى بحب وانشراح ورغبة بالاستمرار وقوة في العزم والثبات على الصراط المستقيم وهم يجمعون بين رضا المحبوب عنهم ورضاهم عنه في حالة من السكينة والاطمئنان..
الغرباء الذين زاروا غريبهم اطمأنت قلوبهم وزادتهم الزيارة إيمانا وعلى ربهم يتوكلون.