بقلم الدكتورة مواهب صالح مهدي – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاةوالسلام على محمد، خاتم أنبياء الله ورسله، وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين وعلى من تبعهم بالهدى الى يوم الدين.
أما بعد
فإنّ العلمَ بكتاب الله، وفهمَ آياتِه، لهو الهدفُ الأسمى لكل مسلم، والمقصدُ الأسنى لكل حريصٍ على تجاوز حروفِه إلى دفينِ كنوزِه، وقد تضافرت جهود المفسرين ـ نضّر الله وجوههم ـ للكشف عن معانيه، وتسابقت هممهم لبيان مقاصده ومراميه، بهدف تقريب خطابه للمتفكّرين، وتيسير بيانه للناظرين، فعاشوا حياتهم مع القرآن وهديه، وقضَوا أعماره مفي عجائب وحيه، فجوّدت عقولهم، وأثمرت جهودهم، وخلّفوا لنا نتاجاتٍ علميّة ثريّة، ودراساتٍ تفسيرية سخيّة.
وكان من شأن الدراسة المقارنة أن تتولى هذه النتاجات، بالدرس والتحليل والتمحيص؛ إبقاءً للنافع المفيد، وإقصاءً للسقيم والبعيد، وانتهاءً بحفظ هذا التراث الفكري، ومن ثم إنضاجِه، والزيادةِ عليه.
والحقّ أنّ الدراسة المقارنة ظهرت في شتّى مجالات البحث العلمي، منذ وقت مبكر، غير أن هذا اللون من الدراسة توارى وتأخر ظهوره في مجال تفسير القرآن الكريم، لا سيما جانب التأصيل النظري؛ فقد غُرِسَت بذور (التفسير المقارن) بعد منتصف القرن الماضي.
ولِما للتفسير المقارن من أهميّة، ، لذا شغف به طلبة ليتناولوا أقوال المفسرين فيها بالدراسة المقارنة، وكان نصيبي من هذا المشروع نظرة مقارنة لبعض تفاسير الفريقن في الاية الحادية عشر من سورة القيامة نموذجاً مختاراً، لتقع عليه الدراسة التطبيقية.
تبين المسالة
في هذا البحث المختصر اردنا التعرف على مدلول الاية الحادية عشر من سورة القيامة (كلا لاوزر)واراء المفسرين من الفريقين فيها وذلك ليكون لنا تدريبا على مطالعة الارراء والجمع بينها ومعرفة موارد الاتفاق او الاختلاف ان وجد
اهداف البحث:
التعرف على اراء المفسرين من الفريقين حول مفردات الاية الحادية عشر من سورة القيامة
ضرورة البحث:
القران الكريم تبيان كل شي ومفرداته تتضمن معاني عالية وبعض ايا ت المعاد تحتاج الى توضيح مداليلها ومصاديقها ومعرفة مضامينها من خلال اللغة والروايات الشريفة
فضل سورة القيامة
عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال: «من أدمن قراءة سورة لا أقسم ، وكان يعمل بها ، بعثه اللّه عزّ وجلّ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من قبره في أحسن صورة ، ويبشّره ويضحك في وجهه حتّى يجوز على الصّراط والميزان».( )
ومن خواص القرآن: روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «من قرأ هذه السورة شهدت له أنا وجبرئيل يوم القيامة أنّه كان موقنا بيوم القيامة ، وخرج من قبره ووجهه مسفر عن وجوه الخلائق ، يسعى نوره بين يديه ، وإدمان قراءتها يجلب الرزق والصيانة ويحبّب إلى الناس».(2)
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من أدمن قراءتها شهدت أنا وجبرئيل يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بيوم القيامة» (3)
وقال الصادق عليه السّلام: «قراءتها تخشّع وتجلب العفاف والصّيانة ، ومن قرأها لم يخف من سلطان ، وحفظ في ليله- إذا قرأها- ونهاره بإذن اللّه تعالى» (4)
وفي المصباح: قراءتها تقوي القلب وشرب مائها يقوي الضعف
__________________
(1) ثواب الأعمال ، ص 150
(2) تفسير البرهان ، ج 8 ، ص 164
(3) خواص القران وفوائده: ص149.
(4) مصباح الكفعمي ، ص 613.
اراء المفسير من اهل السنة
كَلَّا لَا وَزَرَ
قال الله تعالى: (كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر) قال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن جبير ، وغير واحد من السلف: أي لا نجاة .
وهذه كقوله: (ما لكم من ملجإ يومئذ وما لكم من نكير).
أي: ليس لكم مكان تتنكرون فيه ، وكذا قال هاهنا (لا وزر) أي: ليس لكم مكان تعتصمون فيه
ول تعالى ذكره: (لا وزر) يقول جل ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه ، لأنه لا ينجيه فراره ، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل ، من أمر الله الذي قد حضر ، وهو الوزر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ( ).
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله: (كلا لا وزر) يقول: لا حرز .
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله: (كلا لا وزر) يعني: لا حصن ، ولا ملجأ .
حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، قال: ثنا إبراهيم بن طريف ، قال: سمعت مطرف بن الشخير يقرأ: (لا أقسم بيوم القيامة) فلما أتى على: (كلا لا وزر) قال: هو الجبل ، إن الناس إذا فروا قالوا عليك بالوزر .
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن أدهم ، قال: سمعت مطرفا يقول: (كلا لا وزر) قال: كلا لا جبل .
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال: ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة ، عن الحسن ، قال: (كلا لا وزر) قال: لا جبل .
حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله: (كلا لا وزر) قال: كانت العرب تخيف بعضها بعضا ، قال: كان الرجلان يكونان في ماشيتهما ، فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل ، فيقول أحدهما لصاحبه ، يا فلان الوزر الوزر ، الجبل الجبل .
حدثني أبو حفص الحيري ، قال: ثنا مؤمل ، قال: ثنا أبو مودود ، عن الحسن ، في قوله: (كلا لا وزر) قال: لا جبل . حدثنا محمد بن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال: ثنا سفيان ، عن أبي مودود ، قال: سمعت الحسن فذكر نحوه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله: (لا وزر) لا ملجأ ولا جبل .
حدثنا محمد بن عبيد ، قال: ثنا ابن المبارك ، عن سفيان عن سليمان التيمي عن شبيب ، عن أبي قلابة في قوله: (كلا لا وزر) قال: لا حصن .
حدثنا أحمد بن هشام ، قال: ثنا عبيد الله ، قال: أخبرنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة بمثله .
حدثنا ابن حميد ، قال: ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة مثله .
قال ثنا يحيى بن واضح ، قال: ثنا مسلم بن طهمان ، عن قتادة ، في قوله: (لا وزر) يقول: لا حصن .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال: ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة (لا وزر) قال: لا جبل .
حدثنا 0أبو كريب ، قال: ثنا وكيع ، عن أبيه ، عن مولى للحسن ، عن سعيد بن جبير (لا وزر): لا حصن .
قال ثنا وكيع ، عن أبي حجير ، عن الضحاك: لا حصن .
حدثت عن الحسين ، قال: سمعت أبا معاذ يقول: ثنا عبيد ، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (كلا لا وزر) يعني: الجبل بلغة حمير . ( )
قوله تعالى:” كلا ” أي لا مفر فـ((كلا)) رد وهو من قول الله تعالى، ثم فسر هذا الرد فقال: ” لا وزر” أي لا ملجأ من النار. وكان ابن مسعود يقول: لاحصن. وكان الحسن يقول: لا جبل. وابن عباس يقول: لا ملجأ. وابن جبير: لا محيص ولامنعة. المعنى في ذلك كله واحد. والوزر في اللغة: ما يلجأ اليه من حصن او جبل اوغيرهما، قال الشاعر:
لعمري ما للفتى من وزر من الموت يدركه والكبر
قال السدي: كانوا في الدنيا اذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله لهم: لا وزر يعصمكم يومئذ مني، قال طرفة: ( ).
ولقد تعلم بكر اننا فاضلوا الرأي وفي الروع وزر
قد تقدم غير مرة أن المقسم عليه إذا كان منتفياً جاز الإتيان بلا قبل القسم لتأكيد النفي. والمقسم عليه ههنا هو إثبات المعاد والرد على ما يزعمه الجهلة من العباد ومن عدم بعث الأجساد,
(كَلَّا لا وَزَرَ) أي كلا لا شيء يعتصم به من أمر الله، فلا حصن ولا جبل ولا سلاح يقيكم شيئا من أمره، قال السدي: كانوا إذا فزعوا في الدنيا تحصنوا بالجبال، فقال الله لهم: لا وزر يعصمكم مني. ( ).
ونحو الآية قوله: « ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ »
تفسير الشيعة
حدثني يونس ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال ابن زيد ، في قوله: (كلا لا وزر) قال: لا متغيب يتغيب فيه من ذلك الأمر ، لا منجى له منه.
قوله تعالى: ” كلا لا وزر ” ردع عن طلبهم المفر، والوزر الملجأ من جبل أو حصن أو غيرهما، وهو من كلامه تعالى لا من تمام كلام الانسان.
قوله تعالى: ” إلى ربك يومئذ المستقر ” الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتقديم ” إلى ربك ” وهو متعلق بقوله: ” المستقر ” يفيد الحصر فلا مستقر إلى غيره فلا وزر ولا ملجأ يلتجأ إليه فيمنع عنه. ( ).
اعراب قال تعالى :” كلاَّ لا وَزَرَ “
لا: مافية للجنس .
وَزَرَ: اسم لا النافية مبني على الفتح وتكون ” لا” مع اسمها في محل رفع على الابتداء
حبرها محذوف تقديره: لا وزر موجود او متاح لهم
اصطلاحا :«وزر»: على وزن قمر، وتعني في الأصل الملاجىء الجبلية وأمثالها، ومنها يطلق على الوزير لما يلتجأبه في الأُمور، وعلى كل حال فإنّها تعني في هذه الآية كل نوع من الملجأ والمخبأ. كلا: كلمة ردع ٍ وزجرٍ لمن طلب الفرار في ذلك اليوم
أجل، الكفرة والمذنبون الذين كذبوا بيوم الدين يبحثون عن ملجأ في ذلك اليوم لشدّة خجلهم، ويطلبون سبل الفرار لثقل خطاياهم وخوفهم من العذاب، كما كانوا يبحثون عن طريق الفرار في الدنيا عندما كانوا يواجهون حادثةً خطيرة، فيقيسون ذلك اليوم بهذا! ولكن سرعان ما يقال لهم: {كلاّ لا وزر}
(كلا لا وزر) اي لا ملجأ
(كلا) ردع عن طلب الفرار (لا وزر) لا ملجأ يتحصن به
يقول تعالى ذكره ” كلا لا وزر ” يقول جل ثناؤه: ليس هناك فرار ينفع صاحبه ، لأنه لا ينجيه فراره ، ولا شيء يلجأ إليه من حصن ولا جبل ولا معقل ، من أمر الله الذي قد حضر ، وهو الوزر .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي ، قال: ثنا أبو صالح ، قال: ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله ” كلا لا وزر ” يقول: لا حرز .
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال: ثني عمي ، قال: ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ” كلا لا وزر ” يعني: لا حصن ، ولا ملجأ .
حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، قال: ثنا إبراهيم بن طريف ، قال: سمعت مطرف بن الشخير يقرأ ” لا أقسم بيوم القيامة ” فلما أتى على ” كلا لا وزر ” قال: هو الجبل ، إن الناس إذا فروا قالوا عليك بالوزر .
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة عن أدهم ، قال: سمعت مطرفاً يقول: ” كلا لا وزر ” قال: كلا لا جبل .
حدثنا نصر بن علي الجهضمي ، قال: ثني أبي ، عن خالد بن قيس ، عن قتادة عن الحسن قال: ” كلا لا وزر ” قال: لا جبل .
حدثني يعقوب ، قال: ثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، في قوله ” كلا لا وزر ” قال: كانت العرب تخيف بعضها البعض ، قال: كان الرجلان يكونان في ماشيتهما ، فلا يشعران بشيء حتى تأتيهما الخيل ، فيقول أحدهما لصاحبه: يا فلان الوزر الوزر ، الجبل الجبل .
حدثني أبو حفص الحيري ، قال: ثنا مؤمل ، قال: ثنا أبو مودود ، عن الحسن ، في قوله ” كلا لا وزر ” قال: لا جبل .
حدثنا محمد بن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال: ثنا سفيان ، عن أبي مودود ، قال: سمعت الحسن ، فذكر نحوه . ( ).
حدثني محمد بن عمرو ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال: ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ” لا وزر ” لا ملجأ ولا جبل .
حدثنا بشر ، قال: ثنا يزيد ، قال: ثنا سعيد ، عن قتادة ” كلا لا وزر ” لا جبل ولا حرز ولا منجى ، قال الحسن: كانت العرب في الجاهلية إذا خشوا عدواً قالوا: عليكم الوزر ، أي عليكم الجبل .
حدثنا محمد بن عبيد ، قال: ثنا ابن المبارك ، عن سفيان عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة ” كلا لا وزر ” قال: لا حصن .
حدثنا أحمد بن هشام ، قال: ثنا عبيد الله ، قال: أخبرنا سفيان ، عن سليمان التيمي ، عن شبيب ، عن أبي قلابة بمثله . ( ).
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: قال: ابن زيد ، في قوله ” كلا لا وزر ” قال: لا متغيب يتغيب فيه من ذلك الأمر ، لا منجى له منه .
الكفرة والمذنبون الذين كذبوا بيوم الدين يبحثون عن ملجأ في ذلك اليوم لشدّة خجلهم، ويطلبون سبل الفرار لثقل خطاياهم وخوفهم من العذاب، كما كانوا يبحثون عن طريق الفرار في الدنيا عندما كانوا يواجهون حادثةً خطيرة،
فيقيسون ذلك اليوم بهذا! ولكن سرعان ما يقال لهم: (كلاّ لا وزر) ( ).
الجمع بين اراء الفريقين
مما مر من تفاسير نماذج من تفاسير السنة والشيعة يتبين ان الاية الحادية عشر مورد اتفاق من قبل المدرستين وتلخص الى فهم مهنى المفرد الغريبة تقريبا (لاوزر)تمث مفردات التحص والمكان الذي يلتجئ اليه بعد الهرب كالجبل العالي او المكان الذي يتحصن به.
الخاتمة
كان الهدف من كتابة هذا البحث المختصر جدا هو امتثالا لتوصيات استاذنا في كتابة التحقيقات الدراسية كتدريبا على تعلم الفحص في موارد التوافق والخلاف لتفاسير الفريقين في أي القران الكريم وقد لفتت نظرنا في سورة القيامة مفردة قد تكون مبهمة على سامعها ومشتبه فا اردنا تسليط الضوء عليها والتدبر فيها والنظر في كتب التفاسير من الفريقن وقد ايقنا ان اغلم ايات القران هي مورد توافق بين الفريقين الا البعض اليسير لذا ندعوا من الله ان تجمع ايات القران المسلمين وتوحد صفهم والله ولي التوفيق