
بقلم الدكتورة مواهب صالح مهدي – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم
الانبهار يؤدي الى انصهار ثم الى اندثار .هذا ما يحدث للشعوب المسلوبة غزوها من خلال الفنون ومايسمى ثقافة .لينبهروا بثقافة مستوردة ينصهروا فيها يتشبهوا بها الى ان يندثروا وتمحى اثارهم هذا ماتتبعه السياسة الغربية اليوم في الشعوب الشرقية تبث لهم رموز في الفنون ينبهرون بهم ومن عدة نسخ هل تعلمون ان مايكل جاكسن المعرف كان هو النسخة الخامسة فحقق اكثر من سابقيه واشتهر با انبهار الشباب فيه وانصهارهم حتى يجعلوا من انفسهم نسخة منه ولايزال يستنسخ الى يومنا هذا .هذا هو المزمار الذي تنفخ فيه الدول الاستعمارية مثل امريكا التي تشن حربا باردة ثقافية لتهشيم العمود الفقري للدول الضعيفة من خلال كسر عمودها الثقافي -احد المستكشفي للاستعمار عندما ذهب للهند وجد عند تمسك بعاداتهم واديانهم وثقافتهم رجع إلى برطانيا وقال لايمكننا استعمارهم قبل كسر عمودهم الفقري أي ثقافتهم نفس العبارها قالها رامسفلد بعد انتهاء حرب الخليج (انتهت الحروب الميدانية وبدات الحروب الثقافية )
جون اردمان نشر في كتاب (لبراليون تحت الطلب)وهو باحث في شؤن الشرق الاوسط متحدثا عن سياسة امريكا انها تجند من نفس مثقفين الدول ممن يجيدون لغة بلدانهم لكنهم متاثرون بالثقافة الامريكية .لحساب تغريب ثقافة شعوبهم .تعالوا لواقعنا اليوم ماهو دور المثقف الحقيقي یتینا الان اکبر مناسبة وهي محرم وصفر مشروع فكري ضخم اراد اهل البيت ان يكون تاسيسا فكريا لمواليهم واكدوا (عارفا بحقه)في كل موطن فمن يعرفنا الحق حقا نواجه ازمة اليوم ابتعدنا كثيرا عن استثمار هذه الفرصة وجمدنا المثقف .كما فعل (سعد ابراهيم )عندما اراد الاسهام في تجديد الخطاب الديني استبعد العلماء من ابنا ءالعامة والخاصة واتى بالبرالين وعقد مؤتمر كانت ابرز مخرجاته هي اولا نسف كل التفاسير القديمة للقران وكتابة تفسير جديد ثانيا اقصاء الروايات والاحاديث والسنة وهكذا توصية بعد اخرى تمرر الاجندة لسلب الهوية الاسلامية كما يفعل من خلال سند (2030 )الذي تريد امريكة فرضه على كل المؤسسات التعليمية في العالم وفيه ما فيه من زج للثقافة الغربية .وهذا مشروع قديم اسست اجندته سنة 1957 تحدث عنه عبد الرحمن بدوي في كتابه(موسوعة المستشرقين )عندما تحدث عن تاسيس كليات باللغة الانجليزية في كلكتا ومع ان البدوی فلیسوف لادینی یقول (من هنا بدا الدمار) محمود شاکر فی کتاب (اباطيل واسمار )تحدث عن(كرومر)القنصل الثقافي في مصر قال(اما كرومر فقد اسس تعليما استعماريا) الى اليوم وقد ذهب كرومر وبادة عظامه وبقى نظامه…..الى من يقرا هذه القصاصة اوجه نداءا لا استثمار الزمان والمكان في هذه الشهرين القادمة لعقد ندوات فكرية بجانب الخطاب الوجداني .ذلك لان الشباب تاتي للاستماع وتريد الاجوبة للخروج من شبهات امتلات بها جوالاتهم من مقاطع تسويق الالحاد ومقاطع ردود باردة لا تسمن ولا تغني من شي .حقيقة ان لعلما ءالمسلمين ومثقفي الامة اثر في نصرت الاسلام او خذلانه افرد لها ابن حزم فصلا في كتابه الملل والنحل اسماه(اثر ضعف المسلمين في ترسيخ الالحاد) وكلنا يعلم ان ضرر القريب الجاهل في الشرع اكبر من العدو البعيد من الخارج .فمثقفينا اليوم لا نصروا ولاكسروا لانهم مجمدين مهمشين .ويقدم غيرهم ممن اجادوا الايقاع الوجداني وخصص لهم وقت اكثر. والكتب المؤلفة منصب اهتماها على تركيز على السلوكيات لا المعتقدا ت مثلا موضوع التوحيد والقضايا الربوبية لوذهبنا إلى مو سوعة عبد الرحمن بوي رغم انه من الادرين المشككين الف كتاب اسماه (من تاريخ الالحاد الاسلامي) يقول ان الالحاد ترسخ في النبوات لا الاله .لذا فلندعوا الى صحوة فكرية تعود المنبر والمراسيم الى دورها الحقيقي ولنطرح منهج اهل البيت في التصدي للانحراف الفكري والعقدي .يعصف بالشباب اليوم تيارات فكرية تضعهم في حيرة من امور الدين والتدين فيجب عليهم مناقشتها بامور اربعة الفطرة والروح والعقل والنفس .
اما الفطرة ؛ فلاشك انها تؤمن بالوجود الالهي ، وتدفع الانسان لاستشعاره ولإثبات وجوده .
واما الروح ؛ فتسعى بالانسان للتسامي الذي يحقق لها التواصل مع الاله .
واما العقل ؛ فموقفه من قضية الالوهية والدين والتدين يمر بثلاث مراحل متتالية :
الاولي : التسليم النابع من الفطرة ، والذي عادة ما تؤيده التنشئة .
المرحلة الثانية : التساؤل العقلي المنطلق من البديهية العقلية بان لكل موجود موجد قانون السببية ، ومن ثم اذا كان الاله أوجد الوجود فمن أوجد الاله . وهذا التساؤل دفع الكثير من المفكرين الي الشك ، كما يدفع بالوساوس في عقل الشخصية الوسواسة .
ويتوقف مصير الانسان في هذه المرحلة علي محصلة التفاعل بين المنظومات الأربع المؤثرة في هذه القضية ، فقد ينتقل الي المرحلة الثالثة او يضيع مع الشكوك والوساوس .
المرحلة الثالثة : الاستقرار العقلي ، انطلاقا من تراكم الادلة العقلية علي الوجود الالهي ، ويحقق العقل التغلب علي شكوك المرحلة الثانية عندما يدرك مفهوم السبب الاول واجب الوجود .
واما النفس ( المقصود هنا النفس الإمارة بالسوء ) فدورها سلبي في المنظومة الإيمانية ، وتشجع العقل
1-ويوردون للشباب تشكيك فحواه إن المحورية في مجال التقويم لأي شخصية إنما هي على إنجازها، لا على نواياها أو إيمانها، فالإيمان أو الكفر يرتبط بالبعد الشخصي بين الإنسان وربه، ولا دخل له في تقويم شخصية الإنسان في الحقل الإنساني والاجتماعي، ولذلك فتقويمه يرتكز على مستوى إنجازه للبشرية، فإذا كان إنجازه عظيما فهو إنسان عظيم، ولا يضر بقيمته وعظمته كونه كافرا أو ملحدا، بل لا يمنع ذلك من الثناء عليه وتربية الأجيال على مدحه وإجلاله.
ولكن المنطق القرآني يختلف عن هذه النظرة، فهو يرى أن قيمة الإنسان بعمله وإنجازه المقترن بالإيمان، لا مطلق الإنجاز، فهناك فرق كبير بين تعظيم الإنجاز وتعظيم الشخصية صاحبة الإنجاز، إذ تارة نقوم بتقويم الإنجاز في نفسه مع غمض النظر عن الشخص، فنقول: هذا إنجاز عظيم، وهذا لا ضير فيه.
وتارة نقوم بتقويم الشخصية فنمدحها ونحببها للأجيال على أساس إنجازها، وهذا ما يتدخل فيه المنطق القرآني ويرفضه إذا أرسل على إطلاقه، ويرى أن القيمة للشخصية إذا كان لها إنجاز قائم على الإيمان لا مطلقا. قال تعالى: أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله، والآية واضحة على أن مناط التفضيل والتبجيل هو العمل المستند للإيمان لا مطلقا. وقال تعالى: والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا،.
2 – قد يقول شخص: إن العلم في حد ذاته هو قيمة إنسانية عالية، فالعالم إنسان ذو قيمة عند المجتمع العقلائي، مع قطع النظر عن سلوكه وتصرفاته، والقرآن قد اتفق مع هذه الرؤية العقلائية، فقال: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، وقال: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، لذلك علينا أن نحترم كل شخص قدم علما للبشرية وإن كان كافرا أو فاسقا.
ولكن نجيب عن ذلك بأن هناك فرقا بين القيمة المادية والقيمة الموضوعية، فالقيمة المادية للعلم هي عبارة عن أثره في عالم المادة، من حيث إسهامه في تسهيل وسائل الحياة الكريمة المريحة واكتشاف أسرار الطبيعة، وأما القيمة الموضوعية فهي عبارة عن القيمة الشاملة التامة، وذلك بأن يكون العلم وسيلة لاكتشاف الأسرار الطبيعية من جهة، وطريقا للوصول للمبدأ تعالى من جهة ثانية، ومحفزا على السلوك الفاضل والقيم الخلقية من جهة ثالثة، فالعلم الذي يجمع هذه الإسهامات هو العلم ذو القيمة الموضوعية. ولذلك فالعالم الذي يقتصر في استغلال علمه وطاقته على الإسهام المادي فقط هو محترم من هذه الزاوية فقط، ولكن العالم الذي استثمر طاقته وقدرته العلمية في توظيف العلم في الجهات الثلاث هو صاحب القيمة الموضوعية الشاملة.
وكما أن العلم يقود للإيمان، فإنه يقود للعمل الصالح والسلوك الإلهي الفاضل، فلاحظ قوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب، فإن سياق الآية المباركة واضح الدلالة على أن مقصوده تعالى من الذين يعلمون هم من قادهم علمهم إلى العبادة والسجود والقيام لله تعالى، لا إلى الإسهام المادي فقط، ولهذا فإن معنى الآية المباركة التي افتتحنا بها الحديث – وهي: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات – هو أن الرفعة والمقام لمن جمع بين الإيمان والعلم، لا العلم فقط.