علمني مماعلمت رشدا

بقلم الدكتورة مواهب صالح مهدي – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء

آداب المربي والمتربي في عملية التعليم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا
الكهف(66)

الحمد لله الذي علم الانسان مالم يعلم وجعل له السمع والبصر والفؤاد ليفهم الذين ارسله رسله بالحق وبالذكر مبشرين ومنذرين
ليعلموا اممهم افضل الاداب ومكارم الاخلاق في هذه المقالة البسيطة المختصر نريد التعرف على بعض نسال الله فيها الرشاد والارشاد
روية من تفسير الميزان:ا
رواية عن الخضر: قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء ) أي : ابتداء ( حتى أحدث لك منه ذكرا ) أي : حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني .
عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : سأل موسى ربه – عز وجل – فقال : أي رب هل في أرضك أحد أعلم مني قال : نعم . قال : فمن هو قال الخضر . قال : فأين أطلبه قال على الساحل عند الصخرة ، التي ينفلت عندها الحوت . قال : فخرج موسى يطلبه ، حتى كان ما ذكر الله ، وانتهى موسى إليه عند الصخرة ، فسلم كل واحد منهما على صاحبه . فقال له موسى : إني أريد أن تصحبني قال إنك لن تطيق صحبتي . قال : بلى . قال : فإن صحبتني ( فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ) قال : فسار به في البحر حتى انتهى إلى مجمع البحور ، وليس في الأرض مكان أكثر ماء منه . قال : وبعث الله الخطاف ، فجعل يستقي منه بمنقاره ، فقال لموسى : كم ترى هذا الخطاف رزأ من هذا الماء قال : ما أقل ما رزأ قال : يا موسى فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء . وكان موسى قد حدث نفسه أنه ليس أحد أعلم منه ، أو تكلم به ، فمن ثم أمر أن يأتي الخضر . وذكر تمام الحديث في خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وإصلاح الجدار ، وتفسيره له ذلك .
2- عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ذكر أحدا فدعا له ، بدأ بنفسه ، فقال ذات يوم : ” رحمة الله علينا وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ولكنه قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا “مثقلة.
تأملات في الاية60 فما بعدها من سورة الكهف
– يريد أن يلقى معلما يتعلم منه صلاح أمره في دنياه وآخرته .
ب- في مكان محدد يلتقيان فيه .
ج- في وقت ينتظره المعلم فيه .
– وعلى التلميذ أن يسعى إلى العلم لا أن يسعى المعلم إليه فهذا أكرم للعلم والمعلم والمتعلم فالعلم إن جاء سهل المتناول زهد المتعلم فيه . وأعظم للمعلم في عين المتعلم أن يسعى الأخير إلى الأول ليعرف قدره وقدر ما يحمله ، فيتعلق به.
– ونرى الإصرار العجيب على لقاء المعلم والنهل من علمه في قوله : ” لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ” فهو مصمم على بذل الجهد ليصل إلى مبتغاه لقاء الأستاذ في المكان المنشود – ولو امضى عمره يبحث عنه ” أو امضي حقبا ” والحقبة أربعون سنة كما قال العلماء ، فما بالك بذكر الجمع ” حقبا ” .إنه دليل على الهمة العالية والسعي الحثيث إلى العلم والعلماء . وما يزال العلم بخير مادام طالبوه يطلبونه في مجالسه ويوقرون حامليه . ألم يرد في الأثر :” نعم الأمراء على أبواب العلماء ، وبئس العلماء على أبواب الأمراء ” … وهذا نبي كريم موسى عليه السلام على جلال قدره وعلو مكانته يسعى إلى الرجل الصالح حين علم أن لديه علما يستفاد لم يحزه موسى ” وفوق كل ذي علم عليم ” يوسف (آية:76).
– مصاحبة الكبير الصغير فائدة لكليهما فالأول يشرف على تربيته ، ويعلمه الحياة ، ويصوب أخطاءه ، ويسدد خطاه . والثاني يخدمه ، ويعينه على قضاء حوائجه . وقد أفلح موسى في تربية الفتى ” يوشع بن نون ” عليه السلام . .
بعض صفات المعلم الرباني :
أ- هو عبد من عباد الله تعالى ، والعبودية لله أعلى مراتب الإنسانية ، لأن صلة العبد بربه تسمو به، وتفتح له مغاليق الأمور
ب- ” آتيناه رحمة من عندنا والمعلم الرحيم بتلاميذه يعمل على تعليمهم برفق ، ويتقرب إليهم ، ويتحبب إليهم ليأنسوا إليه فيحبوه ويأخذوا عنه علمه .
جـ- كان علم موسى بظواهر الأحكام ، وعلم الخضر معرفة بواطنها . كما أن العلم اللدني من الله مباشرة ، ليس لأحد من البشر فضل تعليمه .
من أدب التعلم :
أ- التلطف في الطلب ، فلم يفرض موسى عليه السلام نفسه على الخضر عليه السلام على الرغم أن الله تعالى أخبر الخضر بلقائه ليتعلم منه . إنما تلطف في عرضه بصيغة الاستفهام التي تترك مجالا للمسؤول أن يتنصل إن أراد .
ب- جعل نفسه تابعا حين سأله ” هل أتبعك ..” فالتلميذ تابع أستاذه مسلم إليه قياده ، وهذا أدعى إلى التناغم بينهما .
ت- العلم يرفع صاحبه . وهذا ما أقر به موسى للخضر حين عرض عليه أن يتابعه شرط أن يعلمه ” على أن تعلمن .. ” وهذه التبعية ترفع المتعلم . أما التبعية من ذل أو لعاعة من دنيا يصيبها فسقوط للمتبوع ، وكبر للتابع .
ث- الواقعية في الطلب : فهو لم يطلب منه أن يعلمه كل شيء ، إنما طلب أن يعلمه شيئا مما علمه الله تعالى : ” … مما علمت .. ” وهذا تواضع في الطلب فهو عليه السلام لم يكلف أستاذه شططا … لقد طلب العلم المفيد الذي تسمح به نفس معلمه
ج- طلب النفيس من العلم : فالله تعالى علم الخضر علما لدنيا نفيسا يريد موسى بعضه ، ولم يطلب العلم الدنيوي ، وإن كان مفيدا إنما طلب الهدى والرشاد الذي يبلغه المقام الأعلى في الدنيا والآخرة ، وحدد نوع العلم فقال :” مما علمت رشدا ” الكهف (آية:66) وضد الرشد الهوى والضلال ، وهذا ما لا نريده .
ح- قوله تعالى ” مما علمت رشدا ” تذكير للمعلم أن الله تعالى أنعم عليه بالرشاد والهدى والسداد . ومن شكر النعم أن يعلم عباد الله بعضا مما أكرمه الله به ، فتزداد حظوته عند خالقه ، ويزيده علما. ومن دل على خير كان له مثل أجر فاعله .
خ- وقد يشترط المعلم على تلميذه أن لا يستعجل في السؤال
عن أمر من الأمور إلى أن يحين الوقت المناسب لشرحه ” قال : فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ” الكهف (آية:70) . فقد لا يرغب بالتوضيح حتى يستكمل الأمر . وقد يرى المعلم اختبار تلميذه في الصبر . وقد يكون المعلم نفسه قليل الكلام . وقد يكون ممن يعتمدون في التعليم على الملاحظة
رولكل معلم طريقته ، إن جاريته فيها تعلمت منه ، وإن خالفته فارقك وفارقته .
دلابد أن يخطئ الإنسان فوجب أن يترك له فسحة يستدرك فيها خطأه فقد اتفق النبيان في صحبتهما على أن يرى موسى عليه السلام مايجري دون أن يتدخل مستنكرا أو معلقا على ما يراه إلى أن يرى الأستاذ رأيه في توضيح بعض الأمور . لكن التلميذ لم يف بالوعد فقال في الأولى ” لقد جئت شيئا إمرا ” وشدد النكير في الثانية حين قال : ” لقد جئت شيئا نكرا ” وقال في الثالئة معترضا ومقترحا” لو شئت لاتخذت عليه أجرا ” .
ونبهه أستاذه في الأولى ” ألم أقل : إنك لن تستطيع عليه صبرا ” وعاتبه في الثانية بزيادة ” لك ” في قوله : ” ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ” وأعلن في الثانية أن الفرصة الممنوحة انتهت فلا بد من الفراق لأنه استنفدها ” هذا فراق بيني وبينك ” . ولكنه لم يشأ أن يتركه يجهل أسباب الحوادث فأخبره بها ” سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ” الكهف (آية:78)
زيادة المبنى لزيادة المعنى : قبل أن يخبره بالأسباب اضاف للفعل تاء التعدية ” تستطع ” على وزن تفتعل وحين أخبره بها حذف التاء لأن المعنى انتهى ” تسطع ” على وزن تفعل . وسوف نجد هذا في قصة ذي القرنين ” فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ” فعلو الجدار على صعوبته أسهل من نقبه فحذف التاء مع علو الجدار في قوله ” فما اسطاعوا ” وأثبتها في صعوبة النقب ” وما استطاعوا ” .
وانظر إلى أدب الأستاذ مع ربه فقد نسب عيب السفينة إلى نفسه ” فأردت أن أعيبها ” كما فعل إبراهيم عليه السلام ذلك في المرض وأسند الشفاء إلى الله تعالى تأدبا ” وإذا مرضت فهو يشفين ” . وفي قتل الغلام نسب الخير في البدلية إلى الله تعالى ” فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ” ولما كان العمل في الثالثة كله بناء وخيرا نسي تفسه وأفرد الله تعالى بالخير ” فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك ” مع أن الأمر كله من الله تعالى ، وهو لم يفعل إلا ما أمره الله به ” وما فعلته عن أمري ” الكهف (آية:82).
قيل إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى : أوصني : قال : كن بساما ولا تكن ضحاكا ، ودع اللجاجة ، ولا تمش في غير حاجة ، ولا تعب على الخطائين خطاياهم ، وابك على خطيئتك يابن عمران . وقيل : إن موسى لما أنكر خرق السفينة نودي : يا موسى أين كان تدبيرك هذا وأنت في التابوت مطروحا في اليم فلما أنكر قتل الغلام قيل له : أين إنكارك هذا من وكزك القبطي وقضائك عليه فلما أنكر الجدار نودي : أين هذا من رفعك حجر البئر لبنات شعيب دون أجر ..
صلاح الآباء يرى في الأبناء فقد حفظ الله تعالى الولدين بصلاح أبيهما ” وكان أبوهما صالحا ” فأمر الخضر عليه السلام أن يرفعه إلى أن يكبرا فلا يأخذ الكنز أحد وهما صغيران ، ويظل بعيدا عن أعين الآخرين حتى يشتد عودهما فيكون لهما . وحين علم الله أن الولد خلق مطبوعا على الكفر، وانه سيسيء إلى والديه المؤمنين ويجعل حياتهما جحيما أماته ، وأبدلهما خيرا منه فتاة مؤمنة طيبة كانت زوجة لنبي كريم .
– ونرى التدرج في هذه القصة – وهو أسلوب تربوي راق- في تعامل الخضر مع موسى ،فقد أبى موسى عليه السلام إلا أن يصاحب الخضر عليه السلام فكان التخلص من هذه الصحبة إن جاز لنا هذا التعبير فصاحب الشريعة غير صاحب الحقيقة على قول الصوفية لا بد له من الوضوح والتعليل والتفكير المنطقي . والخضر يفعل امورا غير مفهومة وغير معللة ، لا تعرف إلا بعد شرحها – ولا بد أن ينفرط عقد هذه الصحبة عاجلا أم آجلا … فكانت اعتراضات موسى وتنبيه الخضر المتسلسلة في إيقاعاتها التي ذكرناها آنفا تدرجا واضحا في ذهاب كل منهما في سبيله الذي رسمه الله له في دورة الحياة المنتظمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

وفي ختام هذه السطور اسال الله لي ولكم دوام توفيق التعلم (وقل ربي زدني علما)