الدكتور محمد حسين عبود – كلية العلوم الاسلامية
21 شهر رمضان الموافق 2023/4/12
قد يتبادر للأذهان أن لكلمة الفوز معنى واحدا فحسب , غير أن معناه في منظار أهل البيت (ع) يختلف كثيرا , عن غيرهم من البشر , فالفوز عندهم (ع) منحصر بزاوية واحدة لا تقبل التشضي أو القسمة , وهي النية الخالصة لله سبحانه , وبعبارة أدق إن الفوز عندهم(ع) متعلق بل مختص بالظفر برضوان الله سبحانه , فهم لا يرضون بمجرد الفوز , بل نفوسهم وعقولهم منشدة للفوز العظيم , وإلا!!! ما تفسير قول أمير المؤمنين (ع) :(فزت ورب الكعبة) والسيف نابت في هامته الشريفة , وهو رسول الموت اليه!!!, وعن أي فوز يتحدث علي (ع) وهو مغادر لهذه الدنيا ومتعها , ومفارق لأهله وأحبته وأيتامه؟؟؟.
إنه(ع) يتحدث عن فوز الغايات الشريفة السامية , التي لانجدها إلا عند أمثاله من الصديقين والشهداء والعظماء , إنه يتحدث عن فوز بانت طلائعه حينما ضُرب بمحراب الصلاة , إنه يتحدث عن فوز مرتبط بالصلاة وبرب الصلاة سبحانه , الذي ذاب علي(ع) فيه ذوبان العاشق الولهان.
لله أنت يا أمير المؤمنين وانت ترسم بريشة القدر , لقاءك بربك سبحانه , لتجعل الشهادة ومغادرة هذه الدنيا الدنية التي هي أزهد عندك من عفطة عنز.
لله أنت ياعلي وأنت تخطط لوجودك الخالد على صفحات التأريخ , لتنفرد إنسانيا بتلك المقولة (فزت ورب الكعبة) , وأنت تتلفع بدماء الشهادة , معلنا الصعود الى عوالم اللقاء بحبيبك الأزلي سبحانه وتعالى , بعد أن اشتد شوقك للقائه , فلم تعد تطيق الصبر شوقا للقائه جلّ شأنه.
فالفوز في عرف أمير المؤمنين (ع) , فوز الصادقين كما قال الله تعالى : ((قال اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
والفوز في عرف علي(ع) رؤية حقة ونور ساطع وخلود سرمدي في جنان الله سبحانه ((يوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)).
ويبقى الفوز في عرف علي(ع) هو أن لا يكون مجرد فوز , بل لابد أن يكون فوزا عظيما , يليق بغاية قدسية عظيمة , قضى عمره وأفناه في سبيل بلوغها , فهو يجّد السير ويحّث العمل بكل طاقته (ع) لكي يصل اليها , فهي الفوز العظيم , الذي لمثله يعمل العاملون , ((إنً هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)).
لله أنت سيدي يا أمير المؤمنين , لقد سطّرّت معنى جديدا للفوز , لم يكن سواك قادر على أن ينقشه في تاريخ البطولة والفداء , حتى أصبح أنشودة في أفواه الأحرار , إنه فوز استثنائي لرجل استثنائي بكل ماتحمل الكلمات من معنى.
سلام عليك أيها الفائز في دنياك وسلام عليك أيها الفائز في شهادتك , وسلام عليك أيها الفائز بلقيا حبيبك سبحانه وتعالى , والعزاء كل العزاء للإنسانية بخسارتهم الكبرى , حين فزت بالرحيل الى بارئك , وخسرت بفقدك خسرانها المبين.