من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا، و نهب تبادره المصائب. هذا القول يعبر عن حالة الإنسان في الدنيا، حيث يعتبر هدفًا للموت والمصائب، وكل لحظة من حياته مصحوبة بالمشاكل والآلام. لا يمكن أن ينال الإنسان نعمة إلا بفقدان نعمة أخرى، وكل لحظة في عمره تكون مفارقة لحظة أخرى.
- يشير إلى أن الحياة قصيرة، وأفعال الإنسان تقربه من أجله.
إنّما المرء في الدّنيا غرض تنتضل فيه المنايا، و نهب تبادره المصائب، و مع كلّ جرعة شرق، و في كلّ أكلة غصص. و لا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى، و لا يستقبل يوما من عمره إلاّ بفراق آخر من أجله، فنحن أعوان المنون، و أنفسنا نصب الحتوف، فمن أين نرجو البقاء و هذا اللّيل و النّهار لم يرفعا من شيء شرفا، إلاّ أسرعا الكرّة في هدم ما بنيا، و تفريق ما جمعا.
هذا فصل لطيف من الموعظة مشتمل على ثمان كلمات.
الغرض : الهدف، تنتضل أي ترتمي، و النهب بمعنى المنهوب.
و قوله: «مع كلّ جرعة… » إلى آخره كناية عن تنغيص لذّات الدّنيا بما يشوبها و يخالطها من الأعراض و الأمراض.
و أمّا قوله: «و لا ينال العبد نعمة إلاّ بفراق أخرى» لأنّ النعمة الحقّة هي اللذّة، و ظاهر أنّ النفس في الدّنيا لا يمكن أن يحصل على لذّتين دفعة، مثلا الذي حصلت له لذّة الجماع حال ماهي حاصلة له، لا بدّ أن يكون مفارقا لذّة الأكل و الشرب، و كذلك العكس و هكذا.
و المنون : الموت، و أمّا كوننا أعوانه باعتبار أنّ كلّ نفس و حركةن الإنسان فهي مقرّبة له إلى أجله، فكأنّه ساع نحو أجله و مساعد عليه، و هذا كقوله عليه السّلام: «نفس المرء خطاه إلى أجله».
و النصب بمعنى منصوبة.
و قوله: «فمن أين نرجو» إلى آخره استفهام عن جهة رجاء البقاء استفهام إنكار لوجودها مع وجود الزمان الذي من شأنه أنّه لم يرفع بشيء شرفا، و يجمع الأمر شملا إلاّ أسرع العود في هدم ما رفع، و تفريق ما جمع.