من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
أيّها النّاس، اتّقوا اللّه الّذي إن قلتم سمع، و إن أضمرتم علم، و بادروا الموت الّذي إن هربتم منه أدرككم، و إن أقمتم أخذكم، و إن نسيتموه ذكركم. رغّب في تقوى اللّه، و الخشية منه، و مبادرة الموت، و مسابقته بالأعمال الصالحة.
أوّل عوض الحليم من حمله أنّ النّاس أنصاره على الجاهل. فيه ترغيب على فضيلة الحليم بما يلزمه من نصرة الناس لصاحبها على الجاهل عند سفهه عليه.
إن لم تكن حليما فتحلّم، فإنّه قلّ من تشبّه بقوم إلاّ أو شك أن يكون منهم.
التحلّم: تكلّف الحلم، و الذي قاله عليه السّلام قد جرّب و شوهد مرارا، و ذلك لأنّ من تشبّه بقوم و تكلّف التخلّق بأخلاقهم، و التأدّب بآدابهم، و استمرّ على ذلك، و مرن عليه الزمان الطويل، اكتسب رياضة قويّة، و ملكة تامّة، و صار ذلك التكلّف كالطبع له، و انتقل عن الخلق الأوّل، و ذلك مشاهد في حال الأعرابيّ الجلف الجافي إذا دخل المدن و القرى و خالط أهلها فإنّه يصير بعد زمان طويل شبيها بساكني المدن، يلطف طبعه، بل هذا مشاهد في الحيوانات كالبازي و الصقر و الفهد الّتي تراض حتّى تذلّ، و تأنس و تترك طبعها القديم، بل قد شوهد ذلك في الأسد، و هو أبعد الحيوانات من الإنس، حتّى نقل أنّ عضد الدولة بن بويه كانت له أسود يصطاد بها كالفهود فتمسكه عليه حتّى يدركه فيذكيّه، و هذا من العجائب الطريفة.