من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
إنّ الطّمع مورد غير مصدر، و ضامن غير وفي. و ربّما شرق شارب الماء قبل ريّه، و كلّما عظم قدر الشّيء المتنافس فيه عظمت الرّزيّة لفقده. و الأمانيّ تعمي أعين البصائر، و الحظّ يأتي من لا يأتيه.
قوله عليه السلام: «و ربّما شرق… » إلى آخره كلام فصيح، و هو مثل لمن يخترم بغتة أو تطرقه الحوادث و الخطوب و هو في تلهية من عيشه.
و مثل الكلمة الأخرى قولهم: على قدر العطيّة تكون الرزيّة.
«و الحظّ يأتي من لا يأتيه»، أي الحظّ لمن كان له حظ يصل اليه و إن لم يسع في طلبه.
و بالجملة، نفّر عليه السلام في هذا الفصل عن الطمع في الدنيا، و الحرص في طلبها و تمنّيها و اقتنائها.
و قد ضرب الحكماء مثالا لفرط الطمع، أحببت إيراده، قالوا:
إنّ رجلا صاد قبّرة فقالت: ما تريد أن تصنع بي؟قال: أذبحك و آكلك، قالت: و اللّه ما أشفي من قرم، و لا أسمن، و لا أغنى من جوع، و لكنّي أعلّمك ثلاث خصال هي خير لك من أكلي، أمّا واحدة فأعلّمك إيّاه و أنا في يدك، و أمّا الثانية فإذا صرت على الشجرة، و أمّا الثالثة فإذا صرت على الجبل. فقال: هاتي الأولى، قالت: لا تلهّفنّ على ما فات، فخلاّها، فلمّا صارت على الشجرة قال: هاتي الثانية، قالت: لا تصدّقنّ بما لا يكون أنّه يكون، ثمّ طارت، فصارت على الجبل، فقالت: يا شقيّ لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّتين، وزن كلّ واحدة ثلاثون مثقالا، فعضّ على يديه، و تلهّف تلهّفا شديدا، و قال: هاتي الثالثة، فقالت: أنت قد أنسيت الاثنتين، فما تصنع بالثالثة، ألم أقل لك: لا تلهّفنّ على ما فات و قد تلهّفت، و أ لم قل لك: لا تصدّقن بما لا يكون أنّه يكون. و أنا و لحمي و دمي و ريشي لا يكون عشرين مثقالا، فكيف صدّقت أنّ في حوصلتي درّتين كلّ واحدة منهما ثلاثون مثقالا!ثمّ طارت و ذهبت.