من كتاب دروس في علم الاصول – الحلقة الثانية في سؤال وجواب
بقلم الدكتور ضرغام كريم الموسوي – جامعة كربلاء كلية العلوم الاسلامية
- هل يقوم الدّليل المُحرِز غير القطعيّ مقام القطع الطريقيّ؟
ج: الدّليل المُحرِز غير القطعيّ ( أي الأمارة ) يفي بما يقتضيه القطع الطريقيّ من منجزيّة ومعذريّة ، فالأمارة الحجّة شرعاً إذا دلت على ثبوت التكليف أكدت منجزيّته وإذا دلت على نفي التكليف كانت معذراً عنه , ورفعت أصالة الإشتغال , كما لو حصل القطع الطريقيّ بنفي التكليف كما تقدم توضيحه ، وهذا معناه قيام الأمارة مقام القطع الطريقيّ , ومثال ذلك إذا دلَّ خبر الثقة على التكليف كحرمة أكل ما ليس له فلس , فإنَّ هذه الحرمة تتنجّز على المكلف ، وإذا دلَّ خبر الثقة على نفي التكليف , كعدم وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة الكبرى , فإنَّ المكلف يكون معذوراً عن امتثال هذا التكليف .
- هل يقوم الدّليل المُحرِز غير القطعيّ مقام القطع الموضوعيّ؟
ج: ومثاله لو قال المولى : كل ما قطعت بأنَّهُ خمر فأرقه , وقامت الأمارة الحجّة شرعاً على أنَّ هذا خمر , ولم يحصل القطع بذلك ، فهل يترتب وجوب الإراقة على هذه الأمارة كما يترتب على القطع أو لا ؟
اختلف الأصوليون في هذا الأمر ، وسبب الخلاف يرجع إلى تحديد معنى القطع المأخوذ في موضوع الحكم ، إذ يوجد للقطع حالتان :
الحالة الأولى : إنَّ القطع الذي نفهمه من الدّليل هو ما له كشف سواء كان قطعاً أو ظناً معتبراً , وليس القطع هنا إلّا مثالاً للحجيّة, فيمكن أنْ تقوم الأمارة – على هذا الاتجاه- مقام القطع الموضوعيّ ؛ لأنَّ فيها كشف ؛ ولأنَّها تحقق موضوع هذا الوجوب وجداناً وهو الحجّة .
وبعبارة أخرى: إنَّ كل دليل لديه كشف بأنَّ هذا السائل خمر يحرم بيعه ، ينجز الحكم , فالذي نحتاج إليه هو الكشف ، والقطع كاشف ، والظن كاشف أيضاً ، فيكون الظن مثالاً آخر للكشف .
الحالة الثانية : إذا كنا نفهم من الدّليل أنَّ المراد من القطع في لسان الدّليل بوصفه كاشفاً تاماً لا يشوبه شك , وهنا لا يكفي مجرد كون الأمارة حجّة , وقيام دليل على حجيّتها ووجوب العمل بها لكي تقوم مقام القطع الموضوعيّ ؛ لأنَّ وجوب الحكم منوط بالقطع بما هو كاشف تام ، والأمارة وإنْ أصبحت حجّة ومنجزة لمؤداها بجعل الشارع ، ولكنها ليست كاشفاً تاماً على أي حال ، فلا يترتب عليها أثر ، فلا يقوم القطع الموضوعيّ مقام الأمارة إلّا إذا ثبت في دليل الحجيّة أو في دليل آخر أنَّ المولى اعمل عناية , ونزل الأمارة منزلة الكاشف التام في احكامه الشرعيّة ، كما نزّل الطواف منزلة الصلاة في قوله : (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاة)([1]) ، وهذه عناية إضافية لا يستبطنها مجرد جعل الحجيّة للأمارة .
وبهذا صح القول: إنَّ دليل حجيّة الأمارة بمجرد افتراضه الحجيّة لا يفي لإقامتها مقام القطع الموضوعيّ .
الخلاصة :
إنَّ الأمارة لا تقوم مقام القطع الموضوعيّ إلّا في حالتين :
1ـ إذا فهمنا من دليل الوجوب أو الحرمة نفسه أنَّ القطع من باب المثال للكاشفيّة , فتكون الأمارة مثالا آخر للكاشفيّة ، فتقوم الأمارة مقام القطع الموضوعيّ .
2ـ إذا فهمنا من دليل حجيّة الأمارة أو من دليل آخر أنَّ الشارع نزّل الأمارة منزلة القطع ، فتكون الأمارة مصداقا تنزيليّاً ادّعائيّاً للقطع ، فتقوم الأمارة مقام القطع الموضوعيّ .
- هل تقوم الأصول العمليّة مقام القطع الموضوعيّ؟
ج: إنَّ الأصول العمليّة بالاتفاق لا تقوم مقام القطع الموضوعيّ.