السلوك الحضاري للانسان وفق نظر القران الكريم

بقلم الدكتورة مواهب الخطيب -كلية العلوم الاسلامية /جامعة كربلاء

ملخص

هذه المقالة تتحدث عن بيان دراسة لتطور السلوك الحضاري للإنسان من منظور القران الكريم وتكمن أهمية هذا البحث من دور علم الانثربولوجيا في التأصيل لفهم السلوك الانسان لتعلم كيفية صياغة برنامج متكاملا لتعديل سلوك وتطوره عبر الزمن وبما ان القران الكريم كتاب هداية وارشاد فانه استقرا حيات شعوب واقوام وافراد وبين نقاط من السلوك البدائل وعرض قدواة لنقل هذه المجتمعات من البداوة الى التحضر مثل الأنبياء والاولياء الصالحين فجاءت المقالة بمحوريين اساسين أولهما التعريف بعلم الانثربولوجي وهو علم الانسان وسلوكه المجتمعي والمحور الثاني يتحدث حول عرض القران الكريم لسلوك مجتمعات واقوام وقام بنقد سلوكياتها وتحليلها وخلصت المقالة الى نتيجة هامة وهي ان القران الكريم بين السلوك البشري الخاطئ وطرق تصحيحه وأشار الى نماذج القدواة الالهين في دورهم في تغيير مجتمعاتهم.
دراسه السلوك الانساني في القران الكريم بمعنى دراسته نشوء الانسان وتطور سلوكه اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا ونفسيا وعلاقته بالاخرين فالقران يقدم دراسه شموليه مقارنه للسلوك الإنساني فهو يقارن سلوك الافراد ببعض وسلوك الشعوب والاقوام والحضارات ويسعى الى مجموعه من الأهداف التربوية من خلال بيان وصفا دقيقا لمجموعات البشرو تحديد اصول التغيير التي تحدث للانسان واسبابه فالقران ييقر ان الاخلاق متغيره وليس الثابته ومتطوره
أولا: دور الانسان في ايجاد مجتمع متحضر
في قبال من تقدم من ذكر الفلسفات الاخرى فان القران الكريم يدعونا للاخلاق والسلوك الحسن وينتقد مسيرة الاقوام الذين ضلوا السبيل ويرشد الى السلوكيات الحسنة والمتحضرة كالإيمان، والأخلاق، والعلم، والعدل، والخصائص البيئية كالزّراعة، والمطر، والصّناعة، والأرض كمؤشرات حضاري ويُعِدُّ مجموعها صانعةَ الحضارة
ويبين القران الكريم الى قدوات مثل الأنبياء الربانيّين اتصفوا بصفات كالعلم، والحكمة، و ينمّ عن دورهم في تغير السلوك البشري ، ویحاول القران نقل هذه المصاديق عبر الزمن في من خلال قصص ذات عِبرة و یدعو الإنسان المعاصر إلی التدبّر فيها، ویسعی من وراء هذا التّدبر إلی بناء السلوك الحضاري بلاقتباس من تلك الحضارات ويوعز صنع الحضارة إلى الانسان المتحضر سلوكيا ولم تسلط التفاسيرالضوء على حركة الانسان وخصوصا القدوات الناجحة المذكورة في القران في دورهم ببناء التمدن والتحضر وخصوصا الانبياء والاوصياء
فالحضاريّة ( برامج استراتيجيّة لتنظیم الأنظمة السیاسیّة، والاجتماعيّة، والثقافيّة، والاقتصاديّة لبناء حضارة جديدة (منتظر القائم، 1391، ص 172).
إنّ القرآن يذكر الحضارات وخصائص روادها الشّخصيّة كالائتمان والمداراة مع النّاس و یتمتّع بإمكانيّة منشودة في تقديم أنموذج متطوّر في مسار بناء الحضارات. إنّ دراسة هذه المؤشرات تقدّم أنموذجًا مرجوًّا من الاستراتیجات، والإنجازات الواقعية القدواة الذي يبنون الحضارات، ما يمكن حسب إحیائه وتبیینها كأساس، ومعیار في دراسة السّلوك المتحضر
على الرّغم من أنّ حركة الأنبیاء كادت أن تنحصر في الدعوة إلی الله غالبًا، إلا أنّ بدایة دعوتهم ترافق دعواة للسلوك المتحضر ونبذ الرؤی الماديّة في ما یتعلق بالمجتمع الإنساني وبالتالي لم يغیّروا الثقافات والسلوك فحسب، بل عرضوا رؤية حديثة إلی الإنسان، وفهّموه المعاني الصحيحة للحرّيّة، والعدل، والأمان
إنّ الرؤية القرانية لتفسیر التّاریخ من خلال بيان قصص الأنبياء ومكافحاتهم وجهادهم مع الاقوام والحكام الذين عاصروهم من اجل بناء حضارة إنسانية قائمة على بناء السلولك الإنساني كقاعدة لقيام أي نمو متمدن فقد تحدّث القرآن الكريم عن الأنبياء الكبار كیوسف، وموسی، وداوود، وسلیمان(علیهم السلام)، ونبيّنا محمد(ص) في مواضع متعدّدة. إنّ هذه المواضع، كما عبّر العلامة الطباطبائي: هي غاية الهداية والإرشاد. (الطباطبائي، 1423، ص 238).
فإنّ خمسة ألانبیاء ( یوسف، وموسی، وداوود، وسلیمان(علیهم السلام)، ونبيّنا محمد(ص)) قاموا بتأسیس حكومة ابرز مهامها بناء الحضارة الإنسانية طرح القران الكريم سلوكهم كأنماط منهجية في السلوك المتحضر: قدْ كانَتْ لَكمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ (الممتحنة: 4)؛ ذلك أنّ القرآن یشير إلی حضارية إبراهيم(ع)، وبنائه الكعبة، وبنائه حضارة كبیرة إلهية، وإقامته معقلًا عظیمًا لهدایة البشر. كما قال الله تعالی: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ (البقرة: 127). بعد إعادة بناء الكعبة، رفع إبراهيم وإسماعیل(عليهما السلام) أیديهما للدّعاء، وطلبا من الله سبحانه: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكتَابَ وَالْحِكمَةَ وَيُزَكيهِمْ إِنَّك أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكيمُ (البقرة: 129).
ثانيا: خريطة القران في دراسة الانسان ومنهجيته
1. تصنيف الايات
يمكن تصنيف الايات التي يمكن تصنيف الايات التي يشرح فيها القران السير التطوري للسلوك الإنساني الى المجموعات الاتية:
1.الايات التي تتحدث عن التطور الثقافي(انثبولوجيا الثقافية)
2.الطبيعية الفيزيقية وهي التي تحكي قصة خلقه الجسدي وبعده المادي
3.الايات التي تحكي بعده ماورائي والروحي
4. الايات التي تحكي عن تطوره الاجتماعي
5. الايات التي تحكي عن عن التطور الحضاري والعمراني والثقافي نتيجة للرقي السلوكي
2. منهجية القران في بيان انثربايلوجي الانسان
وتخذ القران الكريم خصائص منهجية لدراسة السلوك الإنساني
أ- المقارنة بمعى مقارنة الافراد مع بعضهم وسولكياته
ب- تصنيف وتوصيف وتبويب بحيث انه يقدم وصفا دقيق للاقوام واستشراف مستقبلهم من خلال سلوك معيشتهم
ت- تحديد أصول التغير في السلوك واسبابه ونتائجه

ثالثا : السلوك الحضاري في القران
1.الإيمان والتّوحيد
إنّ ما قام به یوسف(ع) في السّجن من تبلیغ الدّین، ودعوة أصحابه المساجين إلی التّوحید هو دعوة من التفكير البدائي إلى سلوك حضاري وشرح للناس كيف ان هذا التوحيد والايمان يقود إلى صناعة علم وحضارة والقران يحكي لنا ما قال یوسف(ع): إِنِّي تَرَكتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذٰلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النّاس وَلٰكنَّ أَكثَرَ النّاس لاَ يَشْكرُونَ يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهِ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكمُ إِلاَّ لِله أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلٰكنَّ أَكثَرَ النّاس لاَ يَعْلَمُونَ (یوسف: 37 40).
إنّ يوسف(ع) نموذج من راقي من القدوات الذين غيروا مجتمعهم علی أساس التّوحید ثُمَّ ادار دفة الدولة اقتصاديا على اساس من العلم والدراية وعلمهم كيفية الادخار والتدبير.
كذلك قام داوود(ع) بتنظیم القواعد التّوحيدية، وبنی حكمًا عادلًا ممزوجًا بالحكمة، كما قال الله تعالی عن حكمه: وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ (البقرة: 251).
2.اجتناب الاستبداد والدّيكتاتوريّة
عند مواجهة الأنبياء الكبار كموسی(ع) ومع القوی المستكبرة في عصره، نشاهد تأسیس رؤيتین في صعید الحكم؛ الأولی: حكم المستكبرين المبنيّ علی عقیدة الكفر والنّفاق، والثانيّة: حكم المستضعفين المبنيّ علی عقیدة التّوحید والتّقوی، ولذلك نری الأنبیاء كانوا یتعرضون للأذی ویُهدَّدون بالقتل؛ لأنّ دعوتهم تُضِعف أركان قدرة الجبابرة والمستكبرین في عصرهم ویصف لنا القرآن بداية ثورة موسی(ع) قائلاً: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هٰذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ (القصص: 15)، وذلك نموذج من حركة موسی(ع) ضد المستكبرین وقیامه بالدّفاع عن المظلومین.
إنّ داوود(ع) مصداق أصليّ للنّضال ضد جالوت، أو ضد فساد عصره، وبما أنّ القانون هو طریق النّضال الأصلي ضدّ الفساد منطقیًا والعدل محور القانون، یمكننا أن نستنبط أن داوود(ع) كان يمثل القانون وتحققه في المجتمع؛ لأنّه كافح الفساد. كما قال الله تعالی: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكمْ بَيْنَ النّاس بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى (ص: 26).
3. اللين والرّفق والمداراة مع النّاس
إنّ اللین والرفق مع النّاس سلوك اجتماعي أخری ویصف القرآن نبیّنا(ص) أنّه سراجًا منيرًا (الأحزاب: 46) وتجليًّا للرّحمة الإلهيّة للعالمین.
نری القول الليّن والبلیغ في مواضع عدّة من حركة موسی(ع) الإصلاحية، منها: عندما أُمِر موسی(ع)، وأخوه هارون أن یذهبا إلی فرعون، ویقولا له قَوْلاً لَّيِّناً (طه: 44) أي قول فيه العطوفة والأدب، أو عندما أذن موسی(ع) للسّحرة أن يتبدؤوا بسحرهم قَالَ بَلْ أَلْقُوا (طه: 66)، لقد كان موسی بحاجة إلی مساعد، ووزیر في القول الفصيح والدعوة إلی الديانة الجديدة، إنّ فصاحة هارون واطّلاعه علی مستجدّات مصر وبني إسرائيل كانت مساعدة مُهِمَّة لموسی(ع)، ولذلك طلب من الله مساعدة هارون سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً (القصص: 35
4. السخاء في العطاء
وذكر القرآن لنا نماذج من اسلوب الباري عز وجل لجذب قلوب بني اسرائل في الانعام عليهم وكانه يعلمنا طريقة من السلوك المتحضر للتعامل مع المعاندين لعلهم يرجعون منها: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(57) وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُوا البَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ المُحْسِنِينَ(58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ(59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ(60) وفَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(73) ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ المَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(74) أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ(76) (البقرة: 57، 60، 73-76).
5.المحبّة والمودّة للنّاس
قد عفا یوسف(ع) بالكرامة عن الذين آذوه أشدّ الإیذاء وهو في ذروة القدرة والعظمة یمكن عدُّ هذا السلوك نمطًا للسّلوك مع النّاس؛ لأنّ إخوته كانوا تحت حكمه بالاضطرار كرعيّته الآخرین. ون هذا النّمط كان له تأثیر عجیب في النّاس، وجذبهم إلی هذا القائد الإلهيّ في قصّة امرأة العزیز، لم یطلب یوسف(ع) إلا إثبات براءته عمّا اتّهمّ به قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ(51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الخَائِنِينَ(52) وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ(53) (یوسف: 51-53).
تشیر الآیة ال 159 من سورة آلعمران حول النبي الاكر محمد (ص) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ(159) إلی المحبّة التي لها علاقة وثیقة. كما قال عند فتح مكة: أنا الیوم معكم كما قال یوسف مع إخوته: قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (یوسف: 92)، (البلاذري، 1398، ص51).
6. تقديم الكفاءات العلميّة والجسمانيّة
إنّ الكفاءة العلميّة التي یتمكن بها الوالي من القیام بشؤون الحكم، والوصول إلی أهدافه وإدارة المجتمع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الكفاءات الجسمانيّة، التي یقدر بها الحاكم علی القیام بأنشطة أكثر ما یقوم به الأفراد العاديين أَلَمْ تَرَ إِلَى المَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ تَوَلَّوْا إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بَالظَّالِمِينَ(246) وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(247) (البقرة: 246-247) وقَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) (یوسف: 55) تعدُّ من المؤهلات التي يذكرها القرآن لولاة الحضارة؛ لأنّ الإدارة أيًّا كانت من دون الكفاءة العلميّة للوالي، والمدير، والحاكم، تصاب بالفشل، وتزید التكالیف، وبالتالي تصیب المجتمع في مساره إلی الكمال، والرقيّ بالتّحديّ والخلّل الشّدید، وبما أنّ إدارة المجتمع تحتاج إلی أضعاف من الجهود، لكي یتاح المجال لتقویم جمیع مشاكل المجتمع العملاقة وإدارتها، فعلی الحاكم أن تكون قدرته الجسمانيّة في مستوی لا یتعب، ولا یشعر بالضَعْف، والعجز عند القیام بواجباته. اهتمّ يوسف(ع) بالعلم عند قَبوله المسؤوليّة الحكوميّة، وعدّه إحدی الضروريات لقَبول المسؤوليّة ووصف نفسه بأنّه علیم قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) (یوسف: 55)، وقد ذكر أربع صفات للوالي في الحوار الذي جری بین یوسف(ع) وملك مصر وهي: المكانة، والأمانة، والحفاظة، والعلم (قراءتي، 1383، ج 6، ص 81).
ونموذج اخر داوود(ع): وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكمْ لِتُحْصِنَكمْ مِنْ بَأْسِكمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكرُونَ (الأنبیاء: 79-80). وقد ذُكر في القرآن أنّ سلیمان(ع) وريث داوود(ع) وَقَالَ يَا أَيُّهَا النّاس عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ (النمل: 16).ونموذج سليمان وكفاءته في امور عدة:
أ) العلم: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً (النمل: 15).
ب) تعلم منطق الطیر والمحادثة معها: وَقَالَ يَا أَيُّهَا النّاس عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ (النمل: 16).
ج) تسخير القوی اللامرئيّة له كالجنّ: وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (النمل: 17).
د) تسخیر العوامل الطبيعيّة له كالرّیح: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَ رَوَاحُهَا شَهْرٌ (سبأ: 12)وبهذه الكفاءات، قد استطاع سلیمان(ع) أن یقوم بنشر الثّقافة
7.إقامة العدل
لا شكّ أن العدل والإحسان لیسا إلا لاجتناب الظلم والجوروهو سلوك متمدن تحضري قَالُوا يَا أَيُّهَا العَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ المُحْسِنِينَ(78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلاَّ مَن وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِندَهُ إِنَّا إِذاً لَّظَالِمُونَ(79) (یوسف: 78-79).
ثالثاً: تربية السلوك الفرد للانسان
يربي الران الانسان على سلوكيات التمدن والتحضر ويذم السلوك البدوي وموارده كثيرة نرد بعضها
1.الدعوة للتواضع ونبذ الكبر
(وﻻ ﺗﻤﺶ ﻓﻲ اﻷرض ﻣﺮﺣﺎ) اﻹﺳﺮاء: 37 .
(وﻻ ﺗﺼﻐﺮ ﺧﺪك ﻟﻠﻨﺎس وﻻ ﺗﻤﺶ ﻓﻲ اﻷرض ﻣﺮﺣﺎ) ﻟﻘﻤﺎن : 18.
(أﻟﯿﺲ ﻓﻲ ﺟهنمﻢ ﻣﺜﻮى اﻟﻤﺘﻜﺒﺮين) اﻟﺰﻣﺮ: 60.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎل:” واﻗﺼﺪ ﻓﻲ ﻣﺸﯿﻚ واﻏﻀﺾ ﻣﻦ ﺻﻮﺗﻚ إن أﻧﻜﺮ
(اﻷﺻﻮات ﻟﺼﻮت اﻟﺤﻤﯿﺮ)” ﻟﻘﻤﺎن:19
(ﻋﺒﺎد اﻟﺮﺣﻤﻦ اﻟﺬين يمشون ﻋﻠﻰ اﻷرض هوناً)”اﻟﻔﺮﻗﺎن 63
2.نبذ الحرص والطمع والدعوة للتعفف
( وﺗﺄﻛﻠﻮن اﻟﺘﺮاث أﻛﻼ ﻟﻤﺎ، وﺗﺤﺒﻮن اﻟﻤﺎل ﺣﺒﺎ ﺟﻤﺎ) اﻟﻔﺠﺮ 19،20
وﻗﺎل ﷲ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ اﻟﻨﺎس اﻟﺬين ينعون في حياتهم: (يحسبهم الجاهل أغنياء ﻣﻦ اﻟتعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً) اﻟﺒﻘﺮة: 273.
3. الكذب والخداع