السيدة زينب (عليها السلام) رحلة صبر وجهاد

السيدة زينب (عليها السلام)
https://arabicradio.net/news/847

الدكتورة بشرى حنون محسن / كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء

ما لآل محمد والدنيا ؟ فانهم خلقوا للآخرة وخلقت الدنيا لهم .

اشرق نور زينب(عليها السلام) على بيت علي وفاطمة , ولكنها لم تستقبل بدموع الفرح, بل استقبلت بدموع الحزن, فقد انحنى النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) على حفيدته يقبّلها بقلب حزين وعينين دامعتين ،عالماً بتلك الأيام السّود التي تنتظرها وراء الحجب .

        سنوات خمس عاشتها زينب (عليها السلام) في كنف عائلتها الحنون ، حيث كان النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله ) يظلل بيت فاطمة برعايته ،وما ان دخلت السنة الحادية عشرة للهجرة ، الا وشمس السعادة قد آذنت بالغروب، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) يلبّي نداء ربه ويفارق الحياة , ورأت زينب الصغيرة المرهفة الإحساس, كيف انقلبت الأجواء في بيتها رأساً على عقب من بهجة وسرور الى حزن كبير الم بهم لفقد الرسول والاب الحاني , واخذ الحزن يأكل روح الزهراء(عليها السلام) , فذوت شيئا فشيئا الى ان فارقت الحياة والتحقت روحها بالرفيق الأعلى, يا لها من لحظات أليمة مرت على العقيلة واخوتها بفقد الام الحانية الرؤوم ،وبعد رحيل الزهراء أصبحت زينب على صغر سنها سيدة المنزل ,فقد أنضجتها الأحداث وهيأتها لأن تشغل مكان الراحلة الكريمة، فتكون للحسن والحسين، أُماً لا تعوزها عاطفة الأمومة بكل ما فيها من حنو وايثار،وهكذا عاشت السيدة زينب (عليها السلام) فترة طفولتها في أجواء مفعمة بالمسؤولية والتضحية.

  • وتستمر الرحلة

بعد ان استلم الإمام علي (عليه السلام)الخلافة قرر الانتقال الى الكوفة ,وكان مدركاً لما ينتظره من أوضاع خطيرة في عاصمة خلافته الجديدة  ولكنه قرّر أن يصطحب معه ابنته زينب، فهو يريدها الى جانبه في الظروف الحساسة والحرجة، وهي ايضا يصعب عليها مفارقة أبيها والابتعاد عنه, وفي ليلة استشهاده لاحظت أن أباها كان في حال لم تعهده منه، تقول: فلما رايته في تلك الليلة قلقاً متململاً كثير الذكر والاستغفار أرقت معه ليلتي وقلت : يا أبتاه مالي اراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ يا أبا مالك تنعى نفسك ؟ قال : بنيّة قد قرب الأجل وانقطع الأمل, وهكذا ودعت السيدة زينب أباها(عليه السلام)، ورزئت بفقده.

ويتسلم الخلافة الامام الحسن (عليه السلام) وما رافقها من احداث كثيرة , ولم تكن العقيلة زينب بعيدة عن تلك الأحداث القاسية ، بل كانت الى جانب أخيها تشاطره معاناته ،وتعيش معه آلام الأمة، كما كانت تشاركه مواجهة اساءات الحكم الأموي وانحرافاته. وترزء زينب من جديد بفقد اخيها مسموما, وتتجدد الاحزان بفقد السبط الاكبر والأخ الحاني. 

  • وتستمر رحلة الجهاد والفقد

أن كل ما سبق في حياة السيدة زينب (عليها السلام) كان بمثابة اعداد وتهيأة للدور الأكبر الذي ينتظرها , دورها الخطير في ثورة أخيها الحسين(عليه السلام) بكربلاء. وما كان للسيدة زينب(عليها السلام) أن تنجح في أداء ذلك الدور لو لم تكن تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفر لها ذلك الارث الكبير من البصيرة والوعي فكان لها دور أساسي في هذه الثورة العظيمة .

لقد  كشفت كربلاء عن جوهر شخصية السيدة زينب(عليه السلام) وعظيم كفاءتها وملكتها القيادية  ,فلولاها لما حققت كربلاء أهدافها ومعطياتها وآثارها في واقع الأمة والتاريخ .حقاً انها بطلة كربلاء وشريكة الحسين(عليه السلام) , ومن يقرأ أحداث كربلاء ويقلب صفحاتها، يراها الى جانب أخيها في اغلب المواقف، بل انها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) وأكملت حلقاتها, فهي سفيرة الثورة الحسينية , والصوت الاعلامي الذي قوض كل الاحلام بقمع واسكات صوت الحق, فكانت الصوت الهادر الذي حقق لعاشوراء نصرا على ارض المعمورة بعد ان حاول الاعداء طمس معالم الثورة الحسينية, فقلبت الموازين لصالح البيت العلوي ,رافعة راية النصر بخطبها المليئة بالكبرياء والعزة والقدرة , الخطب التي القتها في قصر عبيد الله بن زياد وقصر يزيد, واججت الجموع ضد البيت الاموي فبدأت الثورات مطالبة بالثأر للإمام الحسين (عليه السلام) . وهزت السيدة زينب عروش الظالمين في عقر دارهم, دون ان تخشى شيئا, فبنت علي وفاطمة واخت الحسن والحسين والعباس لا تعرف الخوف ابدا.  

وما قالته الأديبة بنت الشاطئ حول دور زينب: لم تمض زينب الا بعد أن أفسدت على ابن زياد ، ويزيد ، وبني أمية ، لذة النصر ، وسكبت قطرات من السم الزعاف في كؤوس الظافرين ! .

تلك هي زينب عقيلة الهاشميين تقلبت في احضان الحزن منذ نعومة اظفارها, ولكنها لم تنكسر بل ظلت جبلا للصبر وروحا جهادية لم تذبل, تلك هي نور فاطمة وبلاغة علي وحلم الحسن واباء الحسين وشجاعة العباس سطرت اروع الملاحم على صفحات التاريخ لتخلد في نفوس اباة الضيم.

المراجع

1 – المرأة العظيمة قراءة في حياة السيدة زينب بنت علي عليهما السلام , حسن الصفار

2 – السيدة زينب رائدة الجهاد في الاسلام ,باقر شريف القرشي

3 – امرأة اسمها زينب , كمال السيد