من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
أوضح العلم ما وقف على اللّسان، و أرفعه ما ظهر في الجوارح و الأركان
هذا حقّ، لأنّ العالم إذا لم يظهر من علمه إلاّ لقلقة لسانه من غير أن يظهر منه العمل، كان عالما ناقصا، و أمّا إذا شاهده الناس عاملا بعلمه، فإنّ النفع يكون به عامّا تامّا، و ذلك لأنّ الناس يقولون: لو لم يكن يعتقد حقيقة ما يقوله، لما أدأب نفسه.
و أمّا الأوّل فيقولون فيه: كلّ ما يقوله نفاق و باطل، لأنّه لو كان يعمل حقيقة ما يقول لأخذ به، و لظهر ذلك في حركاته، فيقتدون بفعله لا بقوله.
إنّ هذه القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكم [الحكمة].
النفوس قد يقع لها انصراف عن العلم الواحد و ملال للنظر فيه بسبب مشابهة بعض أجزائه لبعض، فإذا اطلعت النفس على بعضه قاست ما لم تعلم منه على ما علمت و لم يكن الباقي عندها من الغريب لتلتذّ به و تدوم النظر فيه، أو المراد أنّ القلوب تملّ من الأنظار العقليّة، في البراهين الكلاميّة على التوحيد و العدل، فعند ذلك فابتغوا لها طرائف الحكمة ، أي الأمثال الحكميّة الراجعة إلى الحكمة العملية، مثل مدح الصبر، و الشجاعة، و الزهد، و العفّة، و ذمّ الغضب، و الشهوة، و الهوى، و ما يرجع إلى سياسة الإنسان نفسه، و ولده، و منزله، و صديقه، و نحو ذلك