من كتاب “مباحث في فقه الحدود والجنايات والتعزيرات دراسة مقارنة“
للدكتورة ناهدة جليل الغالبي ـ جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
لا يوجد حد لاقل التعزير ، وانما يكون بحسب الخطأ او الذنب او المعصية المقترفة ، فيكون منوط باجتهاد الحاكم ليقرر العقوبة المناسبة له ، اما بالتنبيه او التأنيب او الزجر او الضرب او الحبس وغير ذلك. وهذا متفق عليه الا عند الحنفية فاقله ثلاث جلدات([1]) ، واما اكثره فهو موضوع خلاف بين الفقهاء.
ذهب ابو حنيفة والشافعية ورواية لاحمد ، ان اكثره من حيث الضرب تسعة وثلاثون سوطا في الحر([2]) .
واستدلوا على ذلك بالمسند الى عمر بن عبد العزيز كتب (ان لا يبلغ في التعزير ادنى الحدود اربعين سوطا) وايضا عن النعمان بن البشير قال : قال رسول الله (ص) (من ضرب حداً في غير حد فهو من المعتدين) ([3]) .
وان هذه العقوبة هي للحر بينما العبد على النصف منها ، الا الحنفية فالمساواة عندهم في مقدار التعزير بين الحر والعبد.
واما المالكية ، فلا حد عندهم للتعزير فيجوز ان يتجاوز التعزير عندهم اكثر الحدود ، او اقل منه على حسب الاجتهاد كما هو الحال في الجاسوس الذي يتجسس لحساب العدو ، فانه يحل للامام ان يقتله([4]).
واستدلوا على ذلك بما ذكر عن عمر انه ضرب معن بن زياد مائة جلدة ، فشفع فيه قوم فقال : ذكرتموني الطعن وكنت ناسيا فجلده مائة اخرى ، ثم جلده بعد ذلك مائة اخرى ، ولم يخالفه احد فكان اجماعا كما قالوا([5]).
اما الامامية فلا حد لاقله عندهم وانما يقده الحاكم الشرعي بحسب المعصية المرتكبة الا ما ورد في بعض روايات الائمة ما بين العشر الى العشرين ، ورواية اخرى تذكر مقداره دون الحد وهو اربعين في حد المملوك وهذا متفق عليه مع المذاهب الاخرى.
الاختلاف بين التعزير والحد
- ان الحد مقدرا شرعا ، اما التعزير فانه غير مقدر شرعا انما منوط باجتهاد الحاكم.
- ان الحد لا يجوز فيه العفو او الشفاعة اذا بلغ الامر الحاكم ، اما التعزير فيجوز فيه العفو.
- اذا تلف عن الحد فلا ضمان فيه لدراية الحدود ، اما التعزير فانه يتوجب الضمان ، هذا عند بعض المذاهب ، وخالفهم الحنفية والحنابلة والمالكية ، ان التلف الناشيء عن التعزير هدر فلا ضمان عليه([6]).
- تاديب ذوي المهابة والمروءة والحياة يختلف عن تاديب اهل البذاءة والسفاهة والتبلد ، وهذا عند بعض المذاهب([7]).
التعزير واجب على الامام تنفيذه حسب ما تقتضيه المصلحة الا الشافعية فان التعزير منوط بالسلطان ، فهو ان رأى ترك التعزير جاز له ذلك اذا لم يتعلق به حق ادمي([8]).
واخيرا يعد التعزير مجالا واسعا وامتدادا رحبا يلج في حومته الممتدة كل صور العقوبات دون الحد ، بما يردع الخاطئين والمتجاوزين وبمن تسول له نفسه اقتراف المعاصي ، وان يمسك عن فعل الشر ويرتدع .
[1]– البدائع ، 7/258 .
[2]– البدائع ، 7/258 ؛ المغني ، 9/324 ؛ تحفة الفقهاء ، 3/231 .
[3]– البيهقي ، 8/327 .
[4]– اسهل المدارك ، 3/190 .
[5]– تبصرة الحكام ، 2/299 .
[6]– المغني ، 9/326 ؛ البناية على شرح الهداية ، 5/526 ؛ تبصرة الحكام ، 2/301 .
[7]– الاحكام السلطانية ، ص236 .
[8]– المهذب ، 2/288 ؛ حاشية الخرشي ، 8/110 .