العدالة… حاجة اجتماعية

الدكتورة زينب تركي نعمة – جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية

بسم الله الرحمن الرحيم

     تُعد العدالة الاجتماعية  من المبادئ الاساسية  العريقة التي يمتدُّ وجودها إلى أمد طويل , وقد جسدها الإسلام فيما زوّد به نظام توزيع الثروة في المجتمع الإسلامي من عناصر وضمانات ، تكفل للتوزيع قدرته على تحقيق العدالة في المجتمع الإسلامي , وقد ادرج الإسلام العدالة الاجتماعية ضمن المبادئ الأساسية ، و حدّد هذا المفهوم وبلوره ، في ركن اجتماعي معين ، واستطاع أن يجسد هذا الامر في واقع اجتماعي حي ، تنبض جميع شرايينه وأوردته بالمفهوم العام  للعدالة الاسلامية.

   والصورة الإسلامية للعدالة الاجتماعية تحتوي على مبدئين عامين ، كل منهما خطوطه وتفصيلاته : أحدهما : مبدأ التكافل العام ، والذي يعني: أن كل فرد مسلم مسؤول عن ضمان معيشة الآخرين وحياتهم في حدود معينة ، وفقا لقدرته وهذا المبدأ يجب على المسلمين تطبيقه ,اما المبدأ  الآخر هو: مبدأ التوازن الاجتماعي ,وحين  وضع الإسلام هذا المبدأ حدّد معناه ، فليس التوازن في مفهومه الإسلامي إلّا التوازن بين أفراد المجتمع في مستوى المعيشة لا في مستوى الدخل ,  والتوازن في مستوى المعيشة معناه أن يكون المال موجوداً ومتداولًا بينهم إلى درجة تتيح لكلّ فرد العيش في المستوى العام ، أي أن يحيى جميع الأفراد مستوىً واحداً من المعيشة ، مع الاحتفاظ بدرجات داخل هذا المستوى الواحد تتفاوت بموجبها المعيشة ، ولكنّه تفاوت درجة وليس تناقضاً كلّيّاً في المستوى ([i]), وفي التكافل والتوازن بمفهومهما الإسلامي ، تحقق القيم الاجتماعية العادلة ، ويوجد المثل الإسلامي للعدالة الاجتماعية وخطوات الإسلام التي خطاها في سبيل إيجاد المجتمع الإنساني ، عبر تجربته التاريخية المشعة كانت واضحة وصريحة في اهتمامه بهذا الركن الرئيسي من اقتصاده ([ii]) , وقد انعكس هذا الاهتمام  بالعدالة الاجتماعية في الخطاب الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) , الذي ألقاه وفي أول عمل باشره في دولته الجديدة , فإن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ذكر بخطابه: (( أما بعد أيها الناس فقدّموا لأنفسكم ، تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالاً وأفضلت عليك ؟ ! فما قدمت لنفسك ؟ ! فلينظرن يميناً وشمالاً فلا يرى شيئاً ، ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم , فمن استطاع أن يقي وجهه من النار – ولو بشق تمرة – فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإنها تجزي الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )) ([iii])

وبذلك بدأ عمله بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وتطبيق مبدأ التكافل بينهم ؛ بغية تحقيق العدالة الاجتماعية التي يتوخاها الإسلام , وبذلك فقد اكد الدين الاسلامي على القيم الاسلامية ذات الاثر في تحقيق  المساواة، والأخوّة، والتكافل والتعاون والعدالة، ونحوها , وقد نص القران الكريم على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾([iv]), وكذلك  قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾ ([v]), وتشكل هذه  القيم التي رسمها الاسلام ضوابط تشريعيّة تحقق من خلالها التكافل والتوازن بمفهومهما الإسلامي والذي يضمن تحقق الاجتماعية للعدالة الاجتماعية.

الهوامش:


[i]) ) ظ, ومضات: محمد باقر الصدر,  دار الصادر, 1434هـ, 17/151.

[ii]) )ظ, اقتصادنا, محمد باقر الصدر, مؤسسة بوستان , ط2, 1425هـ, ص 288.

[iii]) ) بحار الانوار, المجلسي, مؤسسة الوفاء , بيروت , 1403ه, 11/323.

[iv]) ) سورة الحشر : الاية 7.

[v]) ) سورة المائدة : الاية 42.

                                                     م.د زينب تركي نعمة

                                                      كلية العلوم الاسلامية / قسم الفقه واصوله