الضمان الاجتماعي في الإسلام وأثره في التنمية الاقتصادية عند السيد محمد باقر الصدر(قدس)

م.م. وئام علي خميس – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء

بسم الله الرحمن الرحيم

   الضمان الاجتماعي ينبع من جوهر النظرة القرآنية  للفرد, فهو في نظر الإسلام كيان مادي وروحي ، والفقر يمّزق هذا الكيان ويحط من قدره ، وعليه فلابد من إشباع حاجات الفرد الأساسية وضمان العيش الكريم له , وقد أشار القران الكريم الى ذلك  بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً([i]).

   ويُعد الضمان الاجتماعي في الإسلام حق من حقوق الإنسان التي فرضها الله تعالى ، وهو بوصْفه حقا انسانيا لا يتفاوت باختلاف الظروف والمستويات المدنية ([ii]), و الضمان في الإسلام ـــ عند السيد محمد باقر الصدر(قدس) ــــ يقوم على اساسين : اولهما: التكافل العام و هو المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام على المسلمين كفايةً كفالة بعضهم لبعض ، ويجعل من هذه الكفالة فريضة على المسلم في حدود ظروفه وإمكاناته ، يجب عليه أن يؤدّيها على أيّ حال كما يؤدّي سائر فرائضه ([iii]) , والضمان الاجتماعي الذي تمارسه الدولة ــــ عنده(قدس) ــــ على أساس هذا المبدأ للتكافل العام بين المسلمين يعبّر في الحقيقة عن دور الدولة في إلزام رعاياها بامتثال ما يكلّفون به شرعاً ، ورعايتها لتطبيق المسلمين أحكام الإسلام على أنفسهم , فهي بوصفها الأمينة على تطبيق أحكام الإسلام ، والقادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وبموجب هذا الحقّ يتاح لها أن تضمن حياة العاجزين وكالة عن المسلمين ([iv]) , وقد أشارت النصوص الإسلامية لذلك, فقد جاء في الحديث الصحيح عن سماعة : ( أنّه سأل الأمام جعفر بن محمّد عن قومٍ عندهم فضل ، وبإخوانهم حاجة شديدة ، وليس يسعهم الزكاة : أيسعهم أن يشبعوا ويجوع إخوانهم ، فإنّ الزمان شديد ؟ فردّ الإمام عليه قائلاً : إنّ المسلم أخُ المسلم ؛ لا يَظلِمه ولا يَخذله ولا يَحرمه) ([v]) ، فيحقّ للمسلمين الاجتهاد فيه والتواصل والتعاون عليه ، والمواساة لأهل الحاجة ([vi]).

    وعليه إن نظرة السيد الصدر(قدس) تتمحور في أن لكفالة هي في حدود الحاجات الشديدة ,  فالمسلمون إذا كان لديهم فضل عن مؤُنتهم فلا يسعهم أن يتركوا اخوتهم  في حاجة شديدة ، بل يجب عليهم إشباع تلك الحاجة وسدّها, وقد ربط الإسلام بين هذه الكفالة ومبدأ الأخوّة العامّة بين المسلمين ؛ ليدلّل على أنّها ليست ضريبة التفوّق في الدخل فحسب ، وإنّما هي التعبير العملي عن الأخوّة العامّة ، سيرا منه على طريقه في إعطاء الأحكام إطاراً خُلُقياً يتّفق مع مفاهيمه وقيمه ، فحقّ الإنسان في كفالة الآخر له مستمّد في مفهوم الإسلام من أخوّته له ، واندراجه معه في الأسرة البشرية الصالحة , والدولة تمارس في حدود صلاحياتها حماية هذا الحقّ وضمانه , والحاجات التي يضمن هذا الحق إشباعها هي الحاجات الشديدة ، وشدّة الحاجة تعني كون الحاجة حياتية ، وعُسر الحياة بدون إشباعها , وبذلك يتضح أنّ الضمان الاجتماعي الذي يقوم على أساس التكافل يتحدّد وفقاً له بحدود الحاجات الحياتية للأفراد التي يعسر عليهم الحياة بدون إشباعها ([vii]).

   اما الأساس الثاني لديه(قدس): هو حقّ الجماعة في مصادر الثروة ,  وعلى أساس هذا الحقّ تكون الدولة مسئولة بصورة مباشرة عن ضمان معيشة المعوزين والعاجزين ، بقطع النظر عن الكفالة الواجبة على أفراد المسلمين أنفسهم , وبذلك يتضح ان الضمان  الاجتماعي في الإسلام يقوم على أساس الإيمان بحقّ الجماعة كلّها في مصادر الثروة ، لأنّ هذه الموادّ الطبيعيّة قد خلقت للجماعة كافّة لا لفئة دون فئة , وهذا الحقّ يعني أنّ كلّ فرد من الجماعة له الحقّ في الانتفاع بثروات الطبيعة والعيش الكريم منها ، فمن كان من الجماعة قادراً على العمل في أحد القطاعات العامّة والخاصّة ، كان من وظيفة الدولة أن تهيّئ له فرصة العمل في حدود صلاحيّاتها , ومن لم تتح له فرصة العمل ، أو كان عاجزاً عنه ، فعلى الدولة أن تضمن حقّه في الاستفادة من ثروات الطبيعة بتوفير مستوى الكفاية من العيش الكريم ([viii]).

   والرصيد الذي خصّصه الإسلام لعمليّة الضمان الاجتماعي وتمكين الدولة من أداء مسؤوليّاتها يتمثّل ,  إضافةً إلى الفرائض المالية التي أوجبها على الأفراد من زكاةٍ أو خمسٍ – في القطاع العامّ الذي أنشأه الاقتصاد الإسلامي وأمر وليّ الأمر الصرف منه على المعوزين من أفراد المجتمع ([ix]),قال اللَّه سبحانه وتعالى : « وَما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ” ([x]) , وإضافة لآيات القران الكريم هناك نصوص كثيرة تؤكد على ذلك نحو ما جاء في الحديث عن الإمام جعفر (عليه السلام) أنّ رسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) كان يقول في خطبته : « من ترك ضياعاً فعليّ ضياعه ، ومن ترك ديناً فعليّ دينه » ([xi]) , وقد جاء في كتاب الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه على مصر : « ثمّ اللَّه اللَّه في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس والزمنى ، فإنّ في هذه الطبقة قانعاً ومعترّاً ، واحفظ اللَّه ما استحفظك من حقّه فيهم ، واجعل لهم قسماً من بيت مالك وقسماً من غلّات صوافي الإسلام في كلّ بلد ، فإنّ للأقصى منهم مثل الذي للأدنى إلخ » ([xii]).

   خلاصة القول إن الشهيد السيد محمد باقر الصدر اهتم بالعديد من المفاهيم ذات الدور الكبير في بناء وتطوير الفرد وضمان العيش الكريم له في ضل الاقتصاد الإسلامي ومنها الضمان الاجتماعي الذي يحقق العدالة الاجتماعية انطلاقا من حق الجماعة بالانتفاع بثروات الطبيعة وخيراتها , وذلك يتحقق من خلال أساسين هما: التكافل الاجتماعي العام, وحق الفرد في موارد الدولة. 


[i]) ) سورة الاسراء, الاية 70.

[ii]) ) ينظر, المدرسة الاسلامية , السيد محمد باقر الصدر, مركز الابحاث, ط1, 1421هـ, ص180.

[iii]) ) ينظر, ومضات , السيد محمد باقر الصدر , دار الصادر ,1434هـ, 17/ 148.

[iv]) )المصدر نفسه, ص 150

[v]) ) وسائل الشيعة , الحر العاملي, دار احياء التراث , بيروت, 11/597.

[vi]) ) ينظر, اقتصادنا, محمد باقر الصدر, دار الصدر, 1434هـ, 3/775.

[vii]) ) ينظر, المصدر نفسه, 3/776 ومابعدها.

[viii]) ) ينظر,ومضات , محمد باقر الصدر , دار الصادر 1434هـ, 17/ 150.

[ix]) ) ينظر, اقتصادنا , الصدر, ص 666, الاسلام يقود الحياة , محمد باقرالصدر, دار الصدر, 1434هـ, 5/112.

[x]) ) سورة الحشر: الاية 6.

[xi]) ) جامع احاديث الشيعة, البروجردي, د ط, 1411ه, 18/311.

[xii]) ) المصدر نفسه, 17/ 338.

                                                                         م.م وئام علي خميس

                                                        كلية العلوم الاسلامية/ قسم الدراسات القرآنية