مشروع الوحدة الاسلامية في فكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر(قد)

مشروع-الوحدة-الاسلامية-في-فكر-السيد-محمد-باقر-الصدرقد.jpg

الدكتور محمد حسين عبود – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء

   يلمس المتتبع لتاريخ الشيعة الإمامية , أنهم تعرضوا لكّم هائل من الظلم والإقصاء والتهجير, من أيام الدولة الأموية وحتى يوم الناس هذا , وكان من المفترض ــ بناء على قواعد علمي النفس والإجتماع ــ أن تتحول نفس الفرد الشيعي الى بركان جاهز للإنفجار في وجوه مناوئيه وظالميه من حكام الجور ومن يقف معهم ويساندهم من فقهاء الضلالة , الذين روّجوا وشرعنوا لهذا الظلم , كيما يفرّقوا بين المسلمين ويضعفوا وجودهم لكي يستقر أمر الملك لهم , غير أن ما حدث من أبناء المذهب الشيعي الإمامي , لاسيما علمائهم , كان مغايرا لما هو متوقع ومنتظر, إذ سعى فقهاء الإمامية عبر تاريخهم الطويل الى رأب الصدع ورتق الفتق , الذي خلفه ظلم حكام الضلالة من بني أمية وبني العباس ومن سار على نهجهم من الطواغيت.    

   من هنا تجد أن هاجس الوحدة الإسلامية , وسبيل جمع الكلمة وتوحيد الصف , من الأولويات العقدية والفقهية عند علماء وفقهاء الإمامية قديما وحديثا , امتثالا وسيرا على هدى الأئمة الأطهار(ع) , الذين سعوا الى ترتيب منظومة العلاقات الاجتماعية فيما بين شيعتهم من جهة , وفيما بينهم وبين أبناء المذاهب الاسلامية من جهة أخرى , طلبا منهم(ع) لنشر ثقافة المودة والحب بين أبناء المجتمع المسلم , فقد ورد عن الامام الصادق(ع) قوله:((رحم الله امرأ حببنا  إلى الناس ، ولم يبغضنا إليهم))([1]) , كما ورد عنه(ع) جملة من الآداب الاجتماعية التي أراد من خلالها(ع) تنظيم العلاقات الاجتماعية بين أبناء المذهب الإمامي وسواهم من أخوتهم أبناء المذاهب الاسلامية الأخرى , حين يقول(ع):((عودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وصلوا في مساجدهم))([2]) , بل ورد (ع) قوله: ((من صلى معهم في الصف الأول فكأنما صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصف الأول))([3]) , الى غيرها من الروايات التي سعى من خلالها أئمة الهدى(ع) الى إعادة ترتيب أوراق التسامح والتقارب بين المسلمين عموما , بعد أن حاول الطواغيت تمزيق أوصال النسيج الاجتماعي من خلال نشْر أسباب التفرقة , والعزف على الوتر الطائفي.

  وقد بانت علائم ذلك التوجه الوحدوي لدى مراجع وفقهاء الإمامية على مجمل المستويات الفقهية والعقدية , إذ تجد أن المصنفات الفقهية قد تناولت آراء فقهاء المذاهب الإسلامية جنبا الى جنب مع آراء فقهاء الإمامية , فضلا عن دروس البحث الخارج التي لا تخلو هي الأخرى من تناول مجمل آراء الفقهاء جميعا , كما أن كتب الحديث وسلسلة السند عند محدثي ورجالي الإمامية لم تكن لتخلو من أهل الجمهور ماداموا رجالا موثوقون لاغبار على صدقه ورواياتهم للأحاديث.

  وقد سار فقهاء الإمامية على هذا المنوال الوحدوي عبر التاريخ من أيام الشيخ الطوسي(ت460هـ) وحتى يومنا هذا, داعين الى سبيل وحدة الصف الاسلامي ما وسعهم ذلك ؛ لذلك سعوا الى تركيز العمل بهذا الاتجاه شعورا منهم بأهمية ومحورية الوحدة الإسلامية في الحفاظ على النسيج الاجتماعي الاسلامي في دوحة من الأمان والاطمئنان.

 من هنا انبرى المرجع السيد البروجردي (قد)( 292 – 1380 ) , الذي كان من مشاهير الفقهاء المعاصرين ، الذي انتقلت إليه الزعامة الدينية بعد وفاة السيد أبي الحسن الإصفهاني ، والذي أعطى رونقا للحوزة العلمية في قم ، وابتكر فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية ، و في أيام زعامته أسست دار التقريب في مصر([4]).

  ولكي تتضح صورة البحث فإنه سيتناول في المطلب الثاني مفهوم الوحدة الاسلامية عند السيد محمد باقر الصدر.

  وقد مرّ علينا كيف أن مراجع وفقها الإمامية كان لهم الدور الريادي في تعزيز الوحدة الاسلامية بين الاسلامية , ويٌعّد المفكر السيد محمد باقر(ت1400هـ) حلقة مهمة ومركزية في استمرارية مشروع الوحدة , بل رائدا من رواد هذا المشروع , حينما جعل تاريخ الوحدة أحد دروس المناهج في الحوزة , وقد بانت خيوط مشروعه الوحدوي من خلال خطاباته التي كشفت عن هذا التوجه بكل صراحة وبيان , وكشف عن أنه وجوده (قد) مرتبط بهذا المشروع , وأنه سيبذل وجوده في سبيل ذلك, إذ قال)): وإني مذ عرفت وجودي ومسؤوليتي في هذه الأمة , بذلت هذا الوجود من أجل الشيعي والسنّي على السواء, ومن أجل العربي والكردي على السواء , حيث دافعت عن الرسالة التي توحدهم جميعا , ولم أعش بفكري وكياني إلا للإسلام طريق الخلاص وهدف الجميع))([5]),

  ولا يخفي مافي كلماته (قد) من انتماء واع وعال للوطن والدين ,ووعي سام بضرورة ولزوم توحيد الصفوف ليس بين الطوائف الدينية فحسب , بل بين القوميات العرقية.

  والحق إن السيد الصدر(ع) يمتلك شعورا لايضاهيه شعور بأهمية الوحدة الإسلامية والإنسانية , وكيف أنه بذل فكره , بل مجمل وجوده من أجل تحقيقها , هذا مع لحاظ التحديات السياسية المتمثل بحكومة البعث الكافر, التي كانت نسخة وامتدادا لحكومات الجور والضلالة من خلفاء بني أمية وبني العباس , التي كانت واحدة من أهم أدواتهم للبقاء في السلطة تفريق المسلمين وإشاعة أسباب الكراهية بينهم.

  وقد سخّر السيد الصدر(قدس) خزينه المعرفي وتجاربه , باتجاه تركيز معاني الوحدة الاسلامية , موظفا التجارب الانسانية للأمم الأخرى المعاصرة في تجربة الوحدة لديهم وكيف أنها لم تكن نابعة من دواعي حقيقية , أذ يذهب (قدس) الى أن مفهوم الوحدة عند المجتمعات المنحرفة والفاشية , وكلك الماركسية ليس أصيلا , وأن الوحدة لديهم ليست راسخة ؛ لأنها قائمة على أساس إلغاء القيم الانسانية , ثم يؤكد بأن الوحدة الدينية تنبع من القلب ولها جذور تاريخية , ومهما كانت مصالح الأفراد والأحزاب والفئات فإنها لن تتزعزع ؛ لأنها الوحدة المنطلقة من مبدأ راسخ يؤمن به الجميع([6]).

  ولكي يضع السيد الصدر(قدس) الأمور في نصابها , ويبيّن حقيقة الحرب التي دارت بين العراق وإيران قائلا:(( فأنا معك يا أخي وولدي السّنّي بقدر ما أنا معك يا أخي وولدي الشيعي أنا معكما بقدر ما أنتما مع الإسلام ، وبقدر ما تحملون من هذا المشعل العظيم لإنقاد العراق من كابوس التّسلَّط والذّل والاضطهاد , إنّ الطَّاغوت وأولياءه ، يحاولون أن يوحوا إلى أبنائنا البررة من السّنة : أنّ المسألة مسألة شيعة وسنة ، ليفصلوا السّنة عن معركتهم الحقيقية ضدّ العدوّ المشترك ,وأريد أن أقولها لكم – يا أبناء عليّ والحسين ، وأبناء أبي بكر وعمر : أنّ المعركة ليست بين الشّيعة والحكم السّني ,إنّ الحكم السنّيّ الَّذي مثله الخلفاء الرّاشدون ، والذي كان يقوم على أساس الإسلام والعدل ، حمل علي السّيف للدّفاع عنه ، إذ حارب جنديا في حروب الرّدة تحت لواء الخليفة الأول  أبي بكر، وكلَّنا نحارب عن راية الإسلام ، وتحت راية الإسلام ، مهما كان لونها المذهبيّ))([7]).

  من هنا يتأكد لنا حجم الرسالة الوحدوية التي يحملها السيد محمد باقر الصدر(قدس) , وكيف أنه سعى ــ في وقت مبكر ــ لكشف النوايا الخبيثة للحكم الصدامي , الذي أراد إسباغ اللباس الوطني على الحرب الظالمة اتجاه الجمهورية الإسلامية , والتغطية على الدواعي الطائفية القابعة وراء إشعالها بين الشعبين المسلمين , ثم يعود ليوثّق حقيقة((أنّ الحكم السّنّيّ الَّذي كان يحمل راية الإسلام قد أفتى علماء الشّيعة – قبل نصف قرن – بوجوب الجهاد من أجله ، وخرج مئات الآلاف من الشيعة وبذلوا دمهم رخيصا من أجل الحفاظ على راية الإسلام ، ومن أجل حماية الحكم السنّيّ الذي كان يقوم على أساس الإسلام))([8]).

 خلاصة الكلام إن مشروع الوحدة الاسلامية , لم يكن مشروعا بقدر ما كان همّا يعيش بين جوانح السيد محمد باقر الصدر(قدس), يحاكي الرغبة الجامحة في تحقيقه ومواجهة الخطط الموبوءة لأعداء الإسلام , التي تهدف الى تمزيق أوصال الوجود الاسلامي , من خلال إشاعة أسباب الفرقة بين المسلمين.


)1) الشيخ الصدوق(ت381هـ): الهداية/ تحقيق مؤسسة الامام الهادي(ع)/ط(1418هـ)/ مطبعة اعتماد قم /ص52.

(2) م.ن /ص.52

)3) الشيخ الصدوق: الهداية /52.

)4) ظ: الشيخ محمد علي الانصاري: الموسوعة الفقهية الميسرة/ ط1(1415هـ)/ مطبعة باقري 1/571.

)5) السيد كاظم الحائري(معاصر): مباحث الأصول تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر/ ط1(1407هـ)/ مطبعة مركز النشر – مكتب الإعلام الاسلامي – قم1/152. .

)6)ظ: رسالتنا ص56 ــ57. .

)7) السيد كاظم الحائري: مباحث الأصول تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر– قم1/152. .

)8) م.ن 1/152. .