م.م حسن عبدالهادي اللامي
ما دُمت في الحياة فانّك سترى أصنافاً من البشر والواناً من الطِّباع؛ قال الشاعر:
الناسُ شَتّى إذا ما أنت ذُقتَهم … لا يستوون كما لا يستوي الشَجَرُ
هـــــــــذا له ثمرٌ حلوٌ مذاقتُه … وذا يمرُّ فلا يــحلو له ثمـــــــــــــــــــــــــــــــــــرُ
فما بين حسودٍ مُبالغٍ في عداوته ، ومُحبٍ مفرط في مجاملتك وتغافله عن عيوبك ، فليس للناس ميزانُ عدلٍ .
اذا صدرت زَلّة منك ، تناولتك ألسنتهم طحناً بأضراسِ النّقدِ ، ومزّقوا سمعتَك بنبشِ المعايب وذكر المثالب وكأنّه لاخير فيك :
فيُنشر قميص سيئاتك وكأنّهم لم يتقمصوه؛
ويطوون حُلل فضائلك وكأن نجمك لم يسطع في سماء الفضل والكمال ..ونعم ما قال الشاعر:
وَمَنْ دَعَا الناسَ إلى ذَمِّهِ … ذَمُوهُ بالحَق وبالباطلِ
مَقَالةُ الذمِّ إلى أهلها … أَسْرَعُ من مُنحَدِرٍ سائلِ
وكلام العباد لم يسلم منه خير العباد ! بل وحتى الربّ؛ تجاوز العباد حدودهم تجاهه عزوجل
فهُم لا عن اهل الفضل مسكوا كلاب السنتهم، ولا عن اهل الجهالة والحماقة تُخطأ سهامهم ورماحهم ..
والانكى ان بعضا منهم يرفع شأنك ويُشهِر صفاتك امام الملأ ،ولكن ما تمرّ الأيام إلا وتغيره عليك صروف الدهر وتقلّبات الأحوال فلايعبأ بك ولا يحمل همّا لإمرك ، اذا ما حاك لك المؤامرات ودبّر المكائد واتهمك بأسوء الخلال والصق بسمعتك القبائح والمنفرات ..
وحتى تستطيع تقيم ذاتك بعيدا عن آرائهم وتدرك بان لا أهمية لتقييماتهم الا إذا كان مطابقا للواقع فانت من ينبغي فحص حقيقة حالك وما يقوم عليه امرك ، فإذا كنت تحمل ” جوزة” وهم يقولون “لؤلؤة” اوبالعكس ، فهل من قيمة ووزن لمقالهم ان لم يطابق واقع ما تحمله ؟
وهذا ما ارشد العالم الامام موسى بن جعفر الكاظم هشاما بن الحكم اليه عندما قال له :
«يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنها جوزة ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة» (تحف العقول: ٣٨٣)
فالتجاهل التام لكلام الناس يعد طرف التفريط ، والاهتمام بكل كلامهم وحمله على محمل الجدّ يعد طرف الافراط، فالمعيار هو ثقتك بما وهبك الله تعالى من عقل ووعي وبصيرة فانظر في آرائهم نظر الفاحص والمحايد فان كان حقّا ما يقولون فالمؤمن الواعي عليه ان يبادر الى التصحيح والتعديل وان كان باطلا ما يصفون فما يضرّك ان كنت محقّا نقيّا سالما مما اتهموك به! ورب ضارّة نافعة ! “يريدون سقوطك ولكن الله سيجعل من كلامهم طريقا الى قلوب الناس ومحبتهم”:
وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت… أتاح لها لسان حسود