كيف نحفظ القرآن الكريم -1-

 بقلم م.م محمد حسون عبدالزهره – كلية العلوم الاسلامية – جامعة كربلاء

إن حفظ القرآن الكريم وتعليمه من المهام السامية بل هو خير تعليم لما ورد عن رسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (خيركم من تعلم القرآن وعلّمه ) وهذه السلسلة من الدروس ليست وصفة سحرية يمكن بتطبيقها أن تحفظ القرآن بصورة لم تكن تتخيلها أو تتوقعها، ولكن هذه

الدروس ما هي إلاّ خلاصة تجارب عملية . ونريد منها في النهاية التركيز على مضمون هذا العنوان أي كيف نحفظ القرآن الكريم بصورة عامة لجميع الناس مع التفاوت الذي قد يكون يختلف فيه بعضهم عن بعض. ونريد في هذا الدرس أن نركز على الإجابة عن هذا السؤال، كيف نحفظ القرآن.

وسنعرض فيه خمسة جوانب:

أولًا الأسس العامة

ثانيًا: الحفظ

ثالثًا: المراجعة

رابعًا: الروابط والضوابط

وأبدأ بأذنه تعالى.

الدرس الأول: الأسس العامة لحفظ القرآن الكريم

الأسس العامة التي لا غنى لك عنها ولا مجال لتطبيق بعده إلاّ بها وفي غالب الظن أنّه لا نجاح إلاّ بتأملها وتحقيقها

وهي أمور كثيرًا ما نتذكرها ونذكر بها ، وهي أسس ينبغي ألاّ نغفل عنها في هذا الدرس وفي غيره .

1.النية الخالصة

نحن نعلم أن مفتاح القبول والتيسير إخلاص القصد الله عز وجل، وأن كل عمل يفتقر إلى الإخلاص لا يؤتي ثمرته وإن أتى بعض ثماره فإن عاقبته وثماره تكون في غالب الأحوال مُرَّة أضف إلى أنه يحرم من أعظم ما يتأمله المرء وهو القبول عند الله عزوجل وحصول الأجر والثواب لذلك من أولى قواعد وأسس حفظ القرآن هي النية الخالصة لله عزوجل ، إذ ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم ) : (إنّما الأعمال بالنّيات) .

٢- السيرة الحسنة

يقول الله عزوجل ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ البقرة:282

ونعلم جميعًا ما يؤثر عن الشافعي قوله: ” شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي” ونحن نعلم أن الحفظ على وجه الخصوص يحتاج إلى إشراقة قلب وإلى توقد ذهن والمعصية تطفئ نور القلب ويحصل بها التبلد بالعقل ويحرم بها العبد من التوفيق أيضا. فإذن لا بد أن نستعين على طاعة الله بطاعة الله وأن نجعل طريقنا إلى نيل بعض هذه الأمور من الطاعات والمندوبات طاعة الله سبحانه وتعالى “وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ”  نتيجة عملية تلقائية لأن القلب يشرق حينئذٍ بنور الإيمان والنفس تطمئن إلى ما حباها الله عز وجل من السكينة والطمأنينة فيتهيأ الإنسان حينئذ لهذا العمل العظيم وهو حفظ القرآن الكريم..

3.العزيمة والتوكل على الله

يقول عزوجل في كتابه الكريم:

﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ آل عمران :159

إن المرء الذي يعتريه الوهن ويعترضه الخور ويغلب على حياته الهزل ويميل في كثير من أموره إلى الكسل فإنه لا يمكن أن يعول عليه. ولا يظن أنه يصل إلى النتيجة المرجوة في حفظ كتاب الله عز وجل. فهذا أمر يحتاج أن يشمر عن ساعد العزم ولا بد له أن يقلل من أمور الراحة فيخفف من نومه ويزيد من عمله ويكثر من قراءته وغير ذلك من الأمور التي لا بد لها من همة وعزيمة صادقة قوية ماضية لا تستسلم عند أول عارض من العوارض، ولا تقف عند أول عقبة من العقبات.

4.الطريقة الصحيحة

فالبعض عندما يسمع حثاً على حفظ القرآن أو يتشوق إلى ذلك يبدأ بحماسة مندفعة بداية غير صحيحة غالبا ما تسلمه إلى العجز والكسل أو تصدمه بعدم القدرة على الاستمرار. كمن يبدأ مخلطا سورة من هنا وسورة من هنا، وجزءا منفرداً أو مقاطع متقطعة وهو يرغب بعد ذلك أن يصل بينها وأن يصل بها إلى حفظ القرآن الكريم كاملا، فغالبا ما يتشوش مثل هذا العمل، وغالبا ما ينقطع عنه، وكثيرا ما يفتقد ما حفظ منه وذلك لأن الجزء الواحد أو القطعة الواحدة لا ترغب المرء في الحفظ إذا كانت منفصلة بأن يحافظ عليها لأنها وحدها وليس لها ارتباط بما قبلها ولا بعدها، وإن كان في ذلك خير ولا شك وليس في هذا الكلام ما نريد به آن نصرف أحدا أن يحفظ سورة بعينها أو بعض السور بعينها أو الأجزاء بعينها كاملة. ولكننا نتحدث عن من يريد أن يحفظ حفظاً كاملا على طريقة صائبة، ومن ذلك أيضا أن بعض الناس يبدأ ويشرع دون أن يستشير أو يسأل من حفظ قبله أو من هو مشتغل بالتحفيظ والتدريس في هذا الميدان فكما أنك تحتاج إلى المشورة في أي عمل من أعمال الدنيا أو إلى مدخل من مداخل العلوم والدراسة التي يدرسها كثير من الناس فأنت بحاجة إلى هذا في هذا الأمر أيضًا .

ومن ذلك أيضا البرنامج الواضح عندما نقول أن هناك طريقة صائبة فإنها هي التي تحفظ بإذن الله تلك العزيمة التي تستمر وتمشي وتمضي عندما يكون هناك برامج ومراحل نقطة بعد نقطة، مرحلة بعد مرحلة أما خطة عشواء أو أجزاء متقطعة، أو مراحل منفصلة، فإن ذلك في غالب الأمر لا يصل إلى مبتغاه .

5. الاستمرارية في العمل

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : قليل تدوم عليه خير من كثير مملول منه ) وعنه ( صلى الله عليه وآله ) أحب الأعمال ما ديم وإن قل .

فهذا أمر قد يطول أمده و زمانه و قد يعظم جهده والبذل لأجل الوصول إليه، فإن كنت قصير النفس فإنك في غالب الأمر لا تبلغ الغاية، تحتاج إلى استمرار يثمر وينتج بإذن الله عز وجل فقليل دائم خير من كثير منقطع. لا تبدأ البداية الكبيرة التي قلنا عنها ثم تنقطع ، أو لا تبدأ ولو بداية يسيرة ثم تتوقف، فهنالك استمرارية واتصال ودوام، فالاستمرار هو الذي تحصل به نتيجة بإذن الله عز وجل. فإذن لابد من نية وسيرة وعزيمة وتوكل وطريقة واستمرارية، هذه هي بعض الاسس المهمة التي يجب ان تراعى قبل الشروع بأي عمل فكيف إذا كان هذا العمل هو حفظ كتاب الله تعالى

وفي الدرس القادم سأعرض بقية الجوانب بإذنه تعالى .

                والحمد لله ربّ العالمين