قل و لا تقل – 7

قل ولاتقل

من كتاب : قُل ولا تقل لـ د. مصطفى جواد

قل: يجب عليكم الصَّمد للعدو.
ولا تقل: الصمود للعدو.

وقد ذكرنا أن الفعل “صمد” معناه قصد، ومصدره “الصمد” لا “الصمود” الذي ابتدعه ذوو الجمود، والسبب في ذلك أن الصمد هو حركة على خط مستقيم نحو الصمود أي المقصود”، والمصادر التي تعني هذا المعنى تكون قصيرة لتمثل السير في أقصر الخطوط وهو الخط المستقيم. ولذلك قالت العرب: “قصد قصداً”، و”نحا ينحو نحواً”، و”رام يروم روماً”، و”عمد يعمد عمداً”، و”هدف هدفاً”، و”سبق سبقاً”، و”أخ أمَا”، و”صمَد صمْداً”، و”سار سيراً”.

وهذا من أسرار العربية ومن دقائقها وعجائبها التي لا تحصى. ولقائل أن يقول: ولماذا لم يقولوا: ذهب ذهاباً؟ فنقول له: لأنه لا يشترط في الذهاب ولا في الإياب أن يسير الذاهب والآيب على أقصر الخطوط وهو الخط المستقيم، ولذلك طال المصدر.

والظاهر أن الذي ابتدع “الصمود” حسبه بمعنى “الثبات” فأطال مصدره كالجلوس والقعود والوقوف والثبوت والثبات. وفي قصر مصدر الفعل “صمد” ومشابهته للمصادر التي من النوع الذي ذكرناه دليل على أنه يعني الحركة لا السكون، والتقدم لا الوقوف، والإقدام لا الإحجام.

والعجيب في إصرار كثير من العرب العصريين المعتزين بالعروبة، هو تركهم ما أمر الله تعالى به في القتال وهو قوله: “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون”. ولم يقل: “فاصمدوا”.

وقال تعالى: “ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً”. ولم يقل: “صمّدناك”. وقال: “ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة”. ولم يقل: “يصمدهم بالقول الصامد”. وقال: “قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا”. ولم يقل: “ليصمدهم”.

وقال تعالى: “وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام”. ولم يقل: “ويصمد به الأقدام”. وقال: “يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم”. ولم يقل: “ويصمد أقدامكم”.

وقال: “وكلاً نقص عليكم من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك”. وقال: “كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً”. وقال: “ولما برزوا”.

لجالوت وجنوده قالوا: ربنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ولم يقل: وصمّد أقدامنا.
وقال: وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
وقال: إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبّتوا الذين آمنوا.

فما معنى هذه الرغبة عن لغة القرآن؟ فهل هو تجديد في العروبة؟