من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
إنّ اللّه سبحانه جعل الطّاعة غنيمة الأكياس عند تفريط العجزة.
طاعته غنيمة للأذكياء (الأكياس)، لما تستلزمه من نعيم دائم في الآخرة. هؤلاء يستغلّون الفرص التي يُفرّط فيها العاجزون بسبب كسلهم أو عدم استثمارهم لأوقاتهم في الطاعة.
و سبب الغنيمة غنيمة.
و الأكياس هم الذين استعملوا فطنهم و حركاتهم في تحصيل ما ينبغي من علم و عمل، و العجزة هم المقصّرون عمّا ينبغي لهم، و هذا مثل صيد استذفّ لرجلين: أحدهما جلد و الآخر عاجز، فقعد عنه العاجز لعجزه و حرمانه، و اقتنصه الجلد لشهامته و قوّة جدّه.
أشدّ الذّنوب ما استهان به صاحبه.
و ذلك لأنّ استهانته به يستلزم انهماكه فيه، و استكثاره منه، و عدم إقلاعه عنه حتّى يصير ملكة بخلاف ما يستصعبه من الذنوب.
أيّها النّاس، ليريكم اللّه من النّعمة وجلين، كما يراكم من النّقمة فرقين-إنّه من وسّع عليه في ذات يده، فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا، و من ضيّق عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختبارا فقد ضيّع مأمولا. الاستدراج: الأخذ على غرّة. و أمر بالوجل من نعمة اللّه حال إفاضتها خوف الاستدراج بها كما يخاف من النقمة، و ذلك أنّ النعمة بلاء يجب مقابلته بالشكر كما أنّ النقمة بلاء يجب مقابلته بالصبر، و الغرض الحثّ على فضيلتي الشكر و الصبر.
و حذّر من الركون إلى النعمة و الغفلة فيها عن اللّه بقوله: «إنّه من وسّع» إلى قوله «مخوفا» و كذلك حذّر الفقير أن يغفل عن كون فقره بلاء أو اختبارا بما يلزم ذلك من تضييع المأمول، و ذلك لأنّه يستعدّ باعتقاد أنّه اختبار من اللّه له للصبر عليه، و يؤمّل منه تعالى الأجر الجزيل في الآخرة، و إذا لم يعتقد ذلك ضيّع مأموله منه.