من كتاب “مباحث في فقه الحدود والجنايات والتعزيرات دراسة مقارنة“
للدكتورة ناهدة جليل الغالبي ـ جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية
الحد في اللغة:- هو الحاجز, المانع بين شيئين ، او بمعنى الفضل والمنع ، فيقال حددته عن أمره اذا منعته او قيل ايضا للبواب والسجنات؟… (حدّاد) ، لانه يمنع عن الخروج , وحدّه أقام عليه الحد .([1])
وحد الله عنا الشر , أي كفه أو صرفه ، والمذنب أقام عليه الحد وأدبه ، بما يمنع غيرة ويمنعه من ارتكاب الذنب ، وحدّت المرأة تحدّ حداً وحداداً ، أي تركت الزينة بعد موت زوجها فهي حادٌّ ، فالحد مصدر وهو الحاجز بين الشيئين . ([2])
والطريحي يذكر إن قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ([3])
أي يحاربون الله ورسوله ، أما تلك حدود الله فهي محارمه ومناهيه . ([4])
وسميت أحكام الله تعالى حدودا ، في أي موضع من شريعته لانها يمنع المكلف من التعدي عليها.
والحد في الشرع هي عبارة عن عقوبة مقدرة وجبت حقا الله تعالى. ([5])
والعقوبة في التعريف هي أن للحدود عقوبات محضة ,اما مقدرة : هي ان الشارع حدد كمها وكيفها بخلاف التعزير . وحقا لله تعالى : هي احتراز عن القصاص الذي هو حق للعباد .
وتعريف اخر في معنى الحد : هي عقوبة مقدرة من قبل الشارع المقدس على أية جريمة أو جناية أو جنحة تصدر عن مكلف بشروط ثابتة وهذه العقوبة لا يمكن لاحد ان زيد فيها أو ينقص منها ، وذلك التزاما بالقدر الذي قدّره سبحانه ، والحد الذي رسمه ([6]) ، هذا التعريف الجامع المانع الذي استوفى كل ما يتعلق بالحدود .
ان كلمة الحد لم تستعمل في القرآن الكريم الا بصيغة الجمع لقوله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} . ([7])
وقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} ([8]) .
وقد استعملت هذه الكلمة في القرآن الكريم في أربعة عشر موضعا ، وفيها دلالة على معنى واحد هو أحكام الله وأوامره ونواهيه.
وقد وردت في السنة الشريفة في روايات عدة منها تدل على مطلق العقوبة وأخرى على المعينة شرعاً وغيرها ، من هذه الروايات قوله (ص) (ان الله عز وجل جعل لكل شيء حداً وجعل على من تعدى حدّا من حدود الله عزوجل حداً….). ([9])
كلمة الحد الواردة في هذا الحديث تدل على المعنى اللغوي ، اما كلمة الحد الواردة في آخر الرواية تدل على العقوبة كما يتضح من دلالة الرواية.
وعن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله (ص) (من اصاب منكم حدا ، فعجلت له عقوبته ، فهو كفارته ، والا فأمره الى الله). ([10])
ونلاحظ ان الرواية فيها دلالة على ان الحد هو العقوبة .
الحدود هي من جملة العقوبات التي فرضها الله تعالى لتكون رادعة عن ارتكاب الجرائم والمحظورات ، فالحدود اذا أقيمت بين العباد لابد ان يعم الأمن والرخاء ،ويحد من ظاهرة انتشار الفساد والظلم في الأرض ، ويحرص الإسلام على ان يبقى المجتمع محافظا طاهرا نقيا منسجما في تواد وتراحم دائما .
فتتحقق الطمأنينة في المجتمع ويشيع الأمن بين أفراده ويسود الاستقرار ويطيب في ظل مجتمع إسلامي عادل.
[1]– ظ ابن منظور ، لسان العرب 3/ 139 مادة (حد) , المصباح المنير 1/124.
[2]– ظ ابن فارس معجم مقاييس اللغة 2/7 مادة (حد ) .
[3] – (المجادلة/5).
[4]– مجمع البحرين 3/34 مادة (حد).
[5]– المبسوط للسرخسي 9/36.
[6]– ظ المحقق الحلي ، شرائع الاسلام 4/147 .
[7]– البقرة : 187.
[8]– البقرة : 229.
[9]– الوسائل 28/ 10 ، ب2من ابواب الحدود والتعزيرات .
[10]– سنن ابن ماجة 3/33.