من كتاب : قُل ولا تقل لـ د. مصطفى جواد
قل: تأكّدت الشيء تأكّداً
ولا تقل: تأكّدت من الشيء
والفعل “تأكّد” لم يرد في كلام العرب إلا لازماً بمعنى توكّد فقد قالوا “تأكّد الأمرُ أي ثبت ثبوتاً وثيقاً. وجاء في لسان العرب “وكّد العقد أو العهد: أوثقه، والهمزة فيه (أي أكّد) لغة. يقال أوكدته وأكدته وآكدته إيكاداً، وبالواو أفصح أي شددته، وتوكّد الأمر وتأكّد بمعنى (واحد). ويقال: وكّدْتُ اليمين، والهمز في العقد أجود”.
ولما كانت اللغة العربية سائرة في طرقها الإشتقاقية نشأ فيها “تأكّد” المتعدي في كلام الكتاب وكتاباتهم قياساً على “تفعّل فلان الشيء” أي اصابه بأصل الفعل، مثل “تبين فلان الأمر” أي أوقع عليه البيان، وتحققه أي أوقع عليه التحقيق، فتأكد فلان الشيء بمعنى أوقع عليه التأكيد وهذه الأفعال المتعدية الثلاثة هي غيراللازمة التي هي بوزنها نحو “تأكّد الأمرُ” اي ثبت ثبوتاً وثيقاً وتبين أي ظهر واتضح وتحقق أي بانت حقيقته، فالأول قياسي والثاني والثالث سماعيان قياسيان.
ولذلك لا نجد موضعا لإستعمال “مِن” في قولهم “تأكّد فلان من الأمر ومن المبلغ”، لكن كثرة استعمال هذا الغلط جعلتهم لا يفكرون في تركيب جملته، وتحري الصحة فيه، لأنهم فكروا في تأدية المعنى حسب، وليس من شأن المتكلم إن لم يكن لغوياً أن يفكر في دقائق التركيب بعد أن يجده منطبقاً على قواعد الإعراب العامة، والعرب تستعمل “مِن” في مثل هذه الجملة عند استعمال المصدر أو الإسم لوصولهما بما يفيد تمام المعنى مثل “أنا على بينة مِن هذا الأمر، وأنتم على ثقة مِن أمركم”