صراع أنماط الحياة الجغرافي

بقلم الدكتور امجد حميد عبدالله
جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية – قسم اللغة العربية

يتجه عالمنا المعاصر نحو تأجيج صراع كان منذ عقود يجري بوتيرة بطيئة متوازنة نسبيا، ولكنه أصبح أكثر حدة وتطرفا من ذي قبل، وأقصد به ما يمكن أن أسميه صراع (نمط الحياة الجغرافي) أو Gio-life style.وهو صراع عالمي يقوم على استعمال منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والضغط وحتى الحصار الاقتصادي لأجل إحداث تغييرات جماهيرية في أنماط الحياة لسكان منطقة جغرافية ما نحو نمط حياة معين وبمساندة مؤسسات عالمية كبرى ليست الآلة الحربية عنها ببعيدة. إنه غزو من نوع جديد يشهده العالم تعمل فيه الاطراف الغازية على فرض هيمنتها الثقافية على جمهور معين لاستلاب هويتهم وفرض إرادة خارجية تجعل من ذلك الجمهور ومن ثم تلك البقعة الجغرافية منقادة طواعية لمصالح الجهة الغازية،

وبالتأكيد فإن الجمهور المنقاد ثقافيا لنمط الحياة المفروض بوسائل التزيين والتزييف لن يكون أصيلا أبدا، وستبقى هويته الثقافية هجينة مما يعني تبعيته بالضرورة لجمهور الجهة الغازية، وهذا يذكرنا بثقافة الفصل العنصري ضد السود في أمريكا التي أسست لدونية كل بشر ليس بأبيض ثم فرضت بالترغيب والترهيب تبعية جمهور السود لجمهور البيض بدءا باستعمال دهون الشعر لطمس معالم الشعر المجعد ومستحضرات التجميل وال(تبييض) مرورا بالازياء وبقية تفاصيل نمط الحياة الغربية عامة والشاذة منها خاصة، ولا يصعب على أحد ملاحظة أن مصانع تلك المستحضرات والازياء مما يمكن أن نطلق عليه:(لوازم التحول الثقافي وتغيير نمط الحياة) يملكها الرأسمالي الأمريكي الذي لابد أن يكون من البيض، وسيعمل في تلك المصانع رجال ونساء سود بأجور زهيدة نسبيا ليشتري تلك اللوازم السود أيضا وبأسعار مرتفعة نسبيا !،

فالرأسمالي الأبيض يربح ثلاث مرات : بتخفيض الأجور وبزيادة الأسعار واستمرار الطلب، غير أن هذا الأخير يعتمد على استمرار البروباغاندا والضخ الإعلامي المزيف باحترافية عالية مما يعني تخصيص جزء من الموازنة المالية للانفاق الإعلامي، وعلى نحو مجتمعي سيتم نزع فتيل قنبلة جماهيرية كبيرة قد تدمر سوق العمل الربوي إذا هي احتفظت بنمط حياتها القديم ثم لن يمكن السيطرة عليها وحكمها واستغلالها.

إن ذلك هو ما شهده القرن العشرون كله، بعد صراع تحرير العبيد في القرن الذي سبقه، ويبدو أن القرن اللاحق وهو هذا أي الواحد والعشرون قد بدأ يشهد أمرا مماثلا من استبدال نظام العبيد المكلف نسبيا بنظام التبعية عبر الاستلاب الثقافي المربح للدول الرأسمالية والتي سبق لأنظمتها أن جربته محليا في أراضيها وطورت خبرتها بشأنه، ومع تطور سريع ومناسب لوسائل التواصل الاجتماعي صرنا نشهد صراعات عديدة حول العالم لفرض نمط حياة أوروأمريكي على بقية سكان المعمورة وعلى جبهات ثقافية وحتى عسكرية متعددة ؛ ربما أكثرها تطرفا فرض نمط (المثلية) بطريقة من ليس معهم فهو ضدهم !،

والتي تمر بمراحل منها كسر مفهوم الأبوة الاجتماعي وتفكيك الروابط الأسرية وتثبيت النزعة الفردية وترسيخ (الأب الرقمي) وأقصد به المرشد الافتراضي لكل فرد متصل بالشبكة العالمية عبر وسائل النمذجة والتلقين والاستلاب ذات التأثير النفسي المركز ، على أن الجهة التي تملك ذلك الأب الرقمي وتوجهه نحو نمط حياة معين هي الجهة التي تستغل موارد الطبيعة والموارد البشرية منتفعة من حالة الاستلاب والتبعية المفروضة على العالم في حروب ثقافية مدعومة أمميا قد تم تأسيس القوانين والاعراف الدولية لتجريم الممانعين لها وغير المطيعين!.


لكل جماعة بشرية حقها في اختيار نمط الحياة الذي تريد ولكن ليس من حق أية جماعة أن تفرض نمطها على أخرى سواء بالتزييف والخداع والكذب أو بالقوة العسكرية كما أصبح مشهد عالمنا اليوم وهذا يعني تفكك العالم وبصورة مأساوية أكثر ضراوة وفقا للجيوستايل لايف.