مَوسوعَةُ معاني ألفاظِ القرآن الكريم – لمؤلفه الدكتور هادي حسن حمّودي – مواقفُ نقدية وعرضٌ للكتاب

موسوعة-موسوعة-معاني-ألفاظ-القرآن-الكريم-لمؤلفه-الدكتور-هادي-حسن-حمّودي-2م.jpg

الاستاذة الدكتورة وفاء عبّاس فيّاض – كلية العلوم الإسلامية – جامعة كربلاء

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد وآله الأخيار الطيبين الأبرار. أما بعد: فلقد قدّم الأستاذ خالد بن عيسى بن صالح السليماني/ سلطنة عُمان- نزوى لهذه الموسوعة وأشاد فيها بشخصية المؤلف الموسوعية وجهوده العلمية؛ فالأستاذ الدكتور المحقق هادي حسن حَمُّودي هو من أولئكالمتخصصين الموسوعيين الذين لهم القِدْح المُعلَّى في علوم العربية،(( فهو أحد اللغويين المُتمرسين الذين خدموا التراث العربي؛ فَسَبَرَ أغواره، وقَطَعَ فِجاجَه، وتقلَّب أعطافه، كما أنَّه أخذ بنصيب وافر من علوم العصر ومناهجهِ العلمية الحديثة؛ فنال بذلك الحُسْنَيين؛ فزخرت المكتبة العلمية المعاصرة ببحوثه ودراساته وتحقيقاته حدَّ الاستبحار؛ لتصل مؤلفاته إلى ثمانية وسبعين مؤلفّا إلى الآن؛ تنوعت مجالاتها بين اللغة والأدب والتاريخ والفكر والقضايا المعاصرة وغيرها))..      

        ومن مؤلفاته القيِّمة موسوعته الموسومة بـ ((مَوسوعَةُ معاني ألفاظِ القرآن الكريم)) التي تقع في جزأين كبيرين([1]) يبدأ الجزء الأول من الهمزة إلى حرف الضاد ويبدأ الجزء الثاني من حرف الطاء وينتهي بحرف الياء، وأما منهج الموسوعة فقد (( التزم فيها مؤلفُه بمنهج لغوي فريد في فهم معاني القرآن، يضاف إليه جهده العلمي الكبير في استقصاء الألفاظ القرآنية، والكشف عن معانيها؛ استنادا على عدة أسس علمية شمولية ترتكز في مجملها إلى الاستئناس بما أُلفَ في هذا المجال من كتب التفسير، والدراسات القرآنية الحديثة، وجهود النحويين واللغويين والبلاغيين، كما أنَّ الدكتور هادي يريد من دراسته هذه تقديم رسالة تاريخية حضارية انطلاقا من ألفاظ القرآن؛ وهذا ما أشار إليه بنفسه في بداية موسوعته))

        ونظرا لكثرة الذين سطروا مواقفهم النقدية عن الكتاب ومؤلفه سأكتفي بذكر رأي مؤسسة الدراسات في لندن بقولها:(( نظرا لالتزام هذه الموسوعة ( موسوعة معاني ألفاظ القرآن الكريم) للأستاذ الدكتور هادي حسن حمودي بمنهج لغوي موضوعي في فهم معاني كلمات القرآن المجيد، وجهدٍ علمي كبير، فقد اتضح لنا أن الكتابَ المذكور هو أفضل كتاب في مجال بيان ألفاظ القرآن المجيد خلال أكثر من ألف سنة)).

        وقال عن الكتاب أيضا الخبير الاقتصادي والإعلامي العراقي، الدكتور مصطفى البزركان، لندن:(( إنجاز رائع يبعث على الفخر والاعتزاز في نفس كل عربي ومسلم في زمن نحن أحوج ما نكون لمثل هذه الجهود المتميزة للتنقية من أية شوائب وتحريف وتحوير. وبارك الله في مساعيكم لتطوير الفهم الإنساني لكثير من الأمور التي تتعرض للتعقيد على أقل تقدير. فالحضارة الإسلامية والإنسانية في أمسّ الحاجة لمثل مبادراتكم وجهودكم المتميزة بالجرأة والشجاعة الأكاديمية والثقافية والأدبية)).

        وقال الأستاذ الدكتور محمد بن العياشي، جامعة وجدة- المملكة المغربية: (( يسعدني جدا أن أبعث أطيب التحيات والتهاني إلى فضيلة الدكتور هادي حسن حمودي على هذا الإصدار الرائع الذي تفوق صفحاته الألف. جزءان أو لنقل كتابين في معاني القرآن الكريم لا شك في أنهما أخذا منه كل الوقت والجهد والصبر على تأليف هذه الموسوعة والتنسيق اللغوي والمعياري والمنهجي لقضاياها وأبوابها ومباحثها الكثيرة)).

        وقال عنه الأستاذ الدكتور سالم بن عمار- الجزائر:(( من أراد أن يفهم معاني كلمات القرآن حق الفهم، فعليه بهذا الكتاب. فلأول مرة في تاريخ الدراسات اللغوية والقرآنية، أقرأ كتابا يشدّ عرى الترابط بين المعنى الأصيل للكلمة والدلالة القرآنية بدقة تدعو إلى الإعجاب والدهشة. موفق أستاذنا الجليل الذي نفتخر بالتتلمذ على يديه، البروفيسور هادي حسن حمودي. وأدعو إلى تقرير هذا الكتاب في مناهج الدراسات الجامعية)).

        وأخيرا قال عنه الأستاذ الدكتور محمد سمارة أحمد، القاهرة:(( اطلعت على كتاب موسوعة معاني ألفاظ القرآن الكريم للباحث العراقي الدكتور هادي حسن حمودي. الكتاب من وجهة نظري تجديد في الفكر الديني، ولا أغالي إذا قلت إنه كتاب جريء بأطروحاته التي تثبت وسطية الإسلام ورفضه للتعصب والغلو والطائفية وكل مظاهر التخلف والتأخر الحضاري. وأسأل عن إمكانية قيام الدكتور هادي بتقديم دراسة أسلوبية أو تفسيرية بالمنهج نفسه لبيان حقائق الإسلام بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية وتأكيدا لوحدة المجتمع في ظلال العلم النافع والعمل الصالح. مع الشكر)).

        وأنا أقول:(( إن الكتابَ ذو قيمة علمية عالية ولا سيما أنه كتاب يتعلق ببيان معاني ألفاظ القرآن الكريم ودلالاته اللغوية والتفسيرية، وذو منهجية واضحة سعى مؤلفه عبرها أن يفهم القرآن الكريم الذي هو أساس الإسلام، فهمًا موضوعيًا بعيدًا عن الرؤى المسبقة والقناعات الموروثة؛ فمحاولته هذه تعد خطوة جادة لفهم معاني ألفاظ القرآن الكريم)).

فالقرآن كما يرى الدكتور هو الذي ينطق عن نفسه ويبين أغراضه ومراميه. ولذا يعتقد أن من شأن تنفيذ هذا المنهج أن يزيل عنه أي (القرآن) الأساطير والخرافات، ويبتعد به عن الصراعات والمنازعات وأطماع النفس الأمّارة بالسوء، وهي القادرة، دائما، على أن تُلبس الباطل ثوب الحق؛ فمعاني الألفاظ القرآنية هي الحاسمة في تحديد مفاهيم العدل والاستقامة ووسطية الإسلام وبُعده عن التعصب والغلو والتطرف، وما إليها.

        لقد جهد المؤلف أن يقدم موسوعته هذه للناس منهجا لفهم القرآن يساعدهم على تنفيذ ما يريده منهم من تعميق معاني الخير وطلب العلم النافع وأداء العمل الصالح والتعاون والوسطية في الأمور كلّها، وفهم الواقع فهما علميّا موضوعيا دقيقا، والتعامل مع مجرياته بـ (عقليّة) اجتهادية تؤهلهم لمعرفة دينهم ودنياهم بصورة أفضل. ويبين لهم ذلك المنهج حدودهم التي يجب أن يقفوا عندها، والامتناع عن المساس بالآخرين، وأن يرفقوا بأنفسهم وبغيرهم، وأن يوغلوا في هذا الدين برفق، ورحمة للذات وللآخرين قَرُبوا أم بَعُدوا، كي يحققوا غايات رسالة استخلافهم في الأرض.

        وقد حاول الأستاذ في هذه الموسوعة أن يؤدي هذه الرسالة التاريخية الحضارية بالانطلاق من ألفاظ القرآن الكريم بطريقة علميّة موضوعيّة، من غير التفاف على الحق والحقيقة، ومن غير تحميل للنصّ ما لا يحتمله ولا يتحمّله، أو تقويله ما لم يَقُلْه. 

        ومن أجل تحقيق هذه الرسالة التي تضطلع بها الموسوعة نَهَجَ المؤلف منهجا يعتمد على الكشف عن معاني الألفاظ القرآنية. فبدأ بذكر الجذر اللغوي للفظ القرآني، ثم المعنى اللغويّ العام للجذر، وأخيرا الاستعمال القرآني له، بالارتكاز على هذه الأسس:

  1. الارتكاز على أمّهات كتب التفسير. ففيها علم مفيد ومنافع جمة.
  2. الاستئناس بالدراسات القرآنية الحديثة بمختلف تشعّباتها.
  3. الاستفادة من جهود النحويين واللغويين والبلاغيين.
  4. الارتكاز على التحليل اللّغوي للّفظ القرآني بموجب ما تؤديه هو من معانٍ ودلالات وكيفية توظيف القرآن الكريم له.

وتمّ ترتيب الموسوعة بحسب الترتيب الألفبائي للألفاظ بموجب مدخَلَين رئيسيَن ومداخل فرعيّة.

  • أما المدخل الرئيس الأوّل فهو إطار المعنى اللغوي للفظ. وكان المنهج في تحديد ذلك الإطار العودة إلى استعمالات القرآن الكريم للألفاظ ومقارنتها باستعمالات العرب، والخروج بتحديد ذلك الإطار. وهو المنهج الذي اصطلح عليه دكتور هادي حسن بـ( نظرية المقاييس) التي بدأها الخليل بن أحمد(ت175هـ)، ثم أبو عبيد القاسم بن سلام(ت224هـ)، الذي شاء تطبيقها في ميدان الحديث النبوي الشريف، ثم أبو بكر بن دريد(ت321هــ)، وطبّقها عمليّا أحمد بن فارس(ت395هـ) في كتابه (مقاييس اللغة) واستعار عنوان ذلك لتلك النظرية اعترافا بفضل واضعها.
  • وأمّا المدخل الرئيس الثاني فهو الاستعمال القرآني له. ولم يكتفِ المؤلف فيه برؤيته الخاصّة، بل عاد إلى كتب التفسير المعتبرة، وأمعن النظر فيها، وقارن باستعمالات القرآن المتنوعة. وخرج بنتيجة تبناها، كل مادة في موضعها، وأحال إلى أهم المصادر التي أخذ مادته منها.
  • وأمّا المداخل الفرعيّة فتعتمد على الاشتقاق وتغيّر الدّلالة فيما وقع فيه ذلك من ألفاظ. وقد أعتنى عناية كافية بقصص الأنبياء وأممهم في طوايا بحث ألفاظ أسمائهم، لاستخلاص العبرة والبرهنة على توافق الأديان في المبادئ والغايات.. إضافة إلى أن قصص القرآن الكريم لها أثر كبير ومهم جداً في تحقيق عدة أمور منها:
  • تثبيت فؤاد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر المؤمنين بعرض مآلات السابقين بحسب أعمالهم وسلوكياتهم، للعبرة والعظة.
  • إنّ الأديان جميعا هي إسلام الوجه لله تعالى، فهي متوافقة في مبادئها العامة وقواعدها الكلية التي تهدف إلى خدمة الإنسان.
  • إنّ الإنسان في كل الأزمنة والأمكنة، مدعوّ للبناء والإعمار، مأمور بأن يبني حضارة إنسانية المحتوى والمضمون لتحقيق هدف خلقه المتمثل في رسالة الاستخلاف، منذ عهد آدم، وإلى يوم القيامة.
  • إنّ على الناس الاستفادة من التاريخ، والسعي للتقدم والتطور بحسب منطق التاريخ نفسه، وهو المنطق المؤسس على التقدم والتطور والتألق لا التراجع والانكفاء والانطفاء.
  • إنّ سُنَن الله تعالى سائرة وفعّالة في كل زمان ومكان.
  • إنّ تلك القَصص من وجوه إثبات أنّ القرآن كتاب سماويّ إلهيّ لأن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) والناس في زمانه لم يكونوا على علم بالكثير منها.

إلى غير ذلك من أهداف وغايات فرضت عليه العناية بتلك القَصص وغاياتها، بحسب منهج الموسوعة المرتكز على ذكر الألفاظ بترتيب الألفباء، وقد بدأ بلفظ الجلالة (الله) لأنه تشخيص للوحدانية وتجسيد للأديان الجدير بصفته، وهو بالتالي، العنوان الذي يجمع الأديان كلها، أيّا كانت اللفظة المستعملة فيها بدلا من لفظة (الله) وهو اسم أصيل لم يشتق من (إله) ولا من (وله).

        وقد عرض الدكتور أراء القدماء الذين حاروا في لفظ الجلالة فذهبوا مذاهب متعددة، وبيّن الأصول اللغوية لهذه اللفظة وما يتعلق بها من قبيل دخول حرف النداء علية( ياالله) أو للدعاء(اللهم) كل ذلك ذكره في التمهيد بحسب الترتيب التاريخي قديمها وحديثها كي يتبين تطور الاجتهادات في فهمها وتفسيرها، مع مناقشة المهم منها، وصولا للرأي الذي يرجوه أن يكون رأيا صائبا، وهو ما يهدف إليه.

        وعمد الأستاذ إلى ذكر النصوص جميعها المتعلقة في لفظ الجلالة وأجرى قراءة تحليلية لها توصل عبرها إلى أن لفظة (الله) تبقى دالة على الذات الإلهية. هكذا وُجدت في اللغة، وهكذا استمرت، وإذا كان القدماء قد اختلفوا في تركيبها، وكيفيّة اشتقاقها، فله رأي يوافق رأي الخليل في كتاب العين، والفخر الرازي مفاده أنه اسمٌ موضوع غير مشتق.

        ولفظة(الله) جلّ جلاله وبالنظر لخصوصيّتها وفرادتها، وإرادة للتبجيل والتعظيم انتقلت اللفظة إلى التفخيم والتضخيم في لفظ لامها، فهي لفظة مستقلة كما يقول الدكتور، ومنها اشتُقتْ لفظة ( إله) التي وردت للدلالة عليه، تعالى، وعلى ما عبدوه من دونه. أما (الله) فقد تخصصت به تعالى، وبذلك اكتسبت اللام خصوصيّات إضافية، كالتفخيم والترقيق.

        وبعد أن انتهى من متابعة أقوال العلماء في لفظة (الله) و(إله) وأقام حوارا مع ما ذكروه. نظر في استعمالات القرآن الكريم للفظة (إله) مع اشارات دالة إلى اللفظة الأخرى، من أجل استكمال التّصوّر للعلاقة بين اللفظتين. فقد استعمل القرآن الكريم لفظة (إله) على عدة صور منها ( إلهك) و (إلهكم) و( إلهنا وإلهكم) و(إلهه) و(إلهين) و( آلهة) إلى غيرها من الصور، وذكر دلالة كل منها. وود  لفظ الجلالة (الله) في جميع القرآن وفي جميع النّصوص الأخرى، بصيغة واحدة لا تتغيّر، إلا في حركة الإعراب على الهاء، ما بين الفتحة والكسرة والضمة.

        وبيّن الأستاذ الدكتور أن (الله) سواء كان اسما للذات الإلهيّة، أم مجرّد رمز إليها، وأنه قد ورد في التنزيل العزيز، وسائر الكتب السّماويّة السّابقة على القرآن في أصولها الأولى، لتقريب المسَّمى به للعقل البشري، بناء على ما يدركه ذلك العقل، من ضرورة تسمية الشيء من أجل معرفته، فإنّها لفظة مستقلة بنفسها، قائمة برأسها، وجدت هكذا، في اللّغة، بحيث أنها لا جذر لها.

أما لفظ (إله) فمن ذلك اللفظ جاء، وصار أصلاً أو جذراً لغوياً للمشتقات ذات العلاقة بالألوهية. ومن البديهي أن ليس كل من أدعى (التأله) كان صادقا في دعواه، فهم عموما، فريقان:

  • فريق (متأله) حقا وحقيقة، بالعمل لا بالادعاءات، فحمّل رسالة إعمار الأرض على كتفيه يؤديها بالعلم النافع والعمل الصالح، وبث الطمأنينة والأمن والإيمان والأمان بين الناس.
  • وفريق ادّعى تلك الصفة رياء وكذبا، يغطي بها خطيئات الغلو والتعصب والتكاسل والتهاون والتواكل، بعدا عن العلم النافع والعمل الصالح. وشتان ما بينهما.. فليس المهم الأدّعاء، بل المهم العمل ونتائجه…

ولعل من أبرز الوقفات التي اختطها الباحث لنفسه ونراها جديرة بالذكر هي لفظة (أوّلَ) لما في هذه اللفظة من اختلاف في وجهات النظر فـ(أول) دالّ على البدء بالشيء ومنه الأول والأُولى. أما تأويل الكلام فهو العودة إلى أوّله، أي إلى سبب قوله، وكأن تلك العودة تكشف عن حقيقة المُراد به. وكذلك الآلُ: الشخص نفسه. وآله: أهلُه الذين يؤول إليهم ويؤولون إليه.

     ونفى الأستاذ الدكتور ما ذهب إليه المفسرون من أن التأويل ضرب من التفسير([2]) ويعلل ذلك بقوله: (( فالقرآن نزل للنّاس وتفسيره يعني تقريب معانيه إلى أذهان من لا يُدركون تلك المعاني. أما التأويل فهو في علم الله، تعالى، وحده:﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾(آل عمران7) فمن الواضح الجليّ أن ضمير الجمع في ( يقولون ) عائد على قوله: ( الراسخون). وقد يُعلِّم الله بعض خلقه شيئا من التأويل، كما في قصة يوسف: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾( يوسف 6). أمّا أن يحلّ التأويل محل التنزيل فمسألة تقتضي التأنِّي، وبخاصة إذا أدركنا أنّ من المؤولين من أرتدّ عن المعنى إلى غيره وربما إلى نقيضه، بحكم ما قرره اللغويون فيما يحتمل التأويل من معنى))            

     ووقف الدكتور عند بعض الألفاظ ووضح رأيه فيها بأدلة وملاحظات عديدة من ذلك لفظة (الجود) وهي أصل دال على بذل الشيء من مال وغيره. والجواد هو المتصف بذلك ويعتقد أن (الجودي) يعني الشاطئ الرملي الميسّر للسالكين، بحكم ملاحظات عديدة منها:

  • مجيئه من (جود) الذي اشتق منه: الجادة بمعنى الطريق، وجوادّ الطريق: مسالكه الميسّرة للسالكين.
  • قوله، تعالى:﴿ ابْلَعِي مَاءَكِ﴾ وأيضا ﴿ وَغِيضَ الْمَاءُ﴾ فالأرض قد ابتلعت ماءها وعاد الماء إلى مستواه الطبيعي في البحار والأنهار.
  • قول المفسرين أن (الجوديّ) جبل في الهند، وليس في الهند، وليس في الهند جبل بهذا الاسم لا قديما ولا حديثا.
  • قوله تعالى:﴿ وَاسْتَوَتْ﴾أي إن السفينة استقرّت مستوية. وهذا الاستقرار والاستواء لا يتم إلاّ على أرض مستقرة مستوية، مما يشير إلى شاطئ رملي مستو لا إلى جبل لا استواء به، ولا استقرار فوق صخوره..

وفي بعض الأحيان يفيض الدكتور في الحديث عن لفظة ما ويستعرض كل ما يمت إليها من قريب أو بعيد من ذلك الجذر (رحم) فهو دال على معنى لا نجد لفظا آخر يقربه أو يوضحه بدقة ولذلك لا يستطاع توضيحه بأكثر من القول إنه دالّ على الرقة والعطف والرأفة. وعلى الرغم من ذلك فإنها مجتمعة لا تبلغ مبلغ (رحم) في الدلالة على المعنى المراد منه، فهو أعمق منها وأشمل. ومنه رحمة الله التي وسعت كل شيء، وهو أرحم الراحمين.

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.


([1]) عدد صفحات الجزء الأول (571) صفحة، وعدد صفحات الجزء الثاني (523) صفحة، والكتاب طبع بمطبعة مكتبة وتسجيلات روائع نور الاستقامة/ الطبعة الأولى 1438هـ- 2017م.

([2]) منهم الطبري في تفسيره (جامع البيان في تأويل القرآن ) بدلا من (في تفسير القرآن). والبيضاوي في ( أنوار التنزيل وأسرار التأويل ). والنّسفي في ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل)… وغيرهم.