من كتاب شرح حكم نهج البلاغة للمؤلف الشيخ عباس القمي
إنّ الدنيا والآخرة عدوّان متفاوتان، وسبيلان مختلفان، فمن أحبّ الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماش بينهما، كلما قرب من واحد ابتعد من الآخر، وهما ضرّتان. هذا الكلام لا يحتاج إلى بيان، لأن عمل كل واحدة من الدارين مضاد لعمل الأخرى.
إنّ اللّه تعالى فرض عليكم فرائض فلا تضيّعوها، وحدّ لكم حدودًا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانًا فلا تتكلفوها. فرائض اللّه هي واجبات دينه، وحدوده نهايات ما أباحه من نعمة ورخّص فيه.
انتهاك الحرمة هو تناول ما لا يحلّ، إمّا بارتكاب ما نهي عنه أو الإخلال بما أمر به. قوله “فلا تتكلّفوها” يعني عدم البحث عما أبهمه الله. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ”.
وجاء في الأثر: أبهموا ما أبهم اللّه. وحكي عن بعض الصالحين أنه قال لبعض الفقهاء: لمَ تفرض مسائل لم تقع وأتعبت فيها فكرك؟ حسبك بالمتداول بين الناس. وقال شريك في أبي حنيفة: أجهل الناس بما كان، وأعلمهم بما لم يكن.