من كتاب “مباحث في فقه الحدود والجنايات والتعزيرات دراسة مقارنة“
للدكتورة ناهدة جليل الغالبي ـ جامعة كربلاء – كلية العلوم الاسلامية
القصاص في اللغة : هو اقتصاص الاثر ويستعمل في قتل القاتل وجرح الجارح وقطع القاطع ، وياتي بمعنى القود ، ويقال اقصّ السلطان فلاناً اقصاصا أي قتله قودا ، وأقصه من فلان أي جرحه مثل جرحه([1]) وقيل ، قص الاثر ، اذا تتبعه ، لقوله تعالى في قصة موسى (ع) وصاحبه : {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} ([2]) . أي يقصان الاثر.
اما في الاصطلاح : فهو (استيفاء اثر الجناية من قتل ، او قطع ، او ضرب او جرح) ([3]) .
وعرف القصاص بعدة تعريفات مقاربة الى هذا التعريف وهو مأخوذ من القصاص في اللغة ، أي ان المجني عليه او وليّه يتتبع اثر الجاني ليفعل به مثل فعله ، وهو مؤيد لتعريف الجرجاني له (ان يفعل بالفاعل مثل ما فعل) ([4])، وعند المذاهب الاربعة يسمى بالقود ومنصوص عليه في اللغة.
ادلة المشروعية
استدل الفقهاء على مشروعية القصاص من القرآن الكريم والسنة الشريفة والاجماع .
من القرآن الكريم وردت عدة آيات منها : {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ([5]) . وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ([6]) .
وقوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا} ([7]) .
وقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} ([8]).
وأما من السنة الشريفة فهناك عدة روايات منها المروي ان النبي (ص) قال : (من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين : اما ان يودي او يقاد)([9]) ، ويودي بمعنى الدية ويقاد بمعنى القصاص ، أي يعطي حقه في القود . والمروي ايضا انه قال (ص) : (لا يحل دم امريء مسلم ، الا باحدى ثلاث ….. والنفس بالنفس ….)([10]) .
عن أنسٌ بن مالك (أن الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، فعرضوا عليهم الأرش فأبوا، وطلبوا العفو فأبوا، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كتاب الله القصاص قال: فعفا القوم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)[11]
والمروي من الامام الصادق (ع) عن ابائه (ع) في وصية النبي (ص) لعلي (ع) قال : (ياعلي ان اعتى الناس على الله القاتل غير قاتله …..)([12]) وايضا عن الرسول (ص) (لو اجتمعت ربيعة ومضر على قتل أمريء مسلم ، قيدوا به)([13]).
وقد أجمع فقهاء المذاهب الاسلامية كافة على مشروعية القصاص في الاسلام ، لما ورد عليه من النصوص والروايات.
[1]– المصباح المنير ، 3/164 ؛ القاموس المحيط 2/313.
[2]– الكهف /64.
[3]– جواهر الكلام ، 42/12 .
[4]– مجمع البحرين 4/179 .
[5]– البقرة/179 .
[6]– البقرة/178 .
[7]– الاسراء/33 .
[8]– المائدة/45 .
[9]– سنن ابي داود ، 4/172 .
[10]– م.ن .
[11] – أخرجه البخاري، في كتاب الصلح، باب الصلح في الدية، رقم 2703، ومسلم ، في كتاب القسامة، باب إثبات القصاص في الأسنان، وما في معناها، رقم 1675.
[12]– الوسائل ، ج29 ب8 من ابواب القصاص .
[13]– م.ن .