من كتاب “مباحث في فقه الحدود والجنايات والتعزيرات دراسة مقارنة“
ان الله تعالى شرع القصاص رحمة بالناس ، وحفظا لدمائهم ، وردعاً للعدوان وزجره ، واذاقه الجاني ما اذاقه لغيره ، وفيه سكون للنفس واذهاب لحرارة الغيظ من قلوب اولياء المجني عليه ، وفيه حياة للناس ، وبقاء للنوع الانساني ، لدلالة الايات على كل هذه المعاني.ومنها (ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب ) لأن القاتل إذا علم أنه سيقتل فلن يقدم على القتل وبذلك تكون الحياة، ثم إن القتل حق لأولياء المقتول فإن شاؤوا قتلوا القاتل وإن شاؤوا عفوا عنه مجاناً أو أخذوا الدية، وعليهم أن يراعوا المصلحة في ذلك فيأخذوا بما هو أصلح من عفو أو دية أو قصاص.
أن القصاص يحقق أهداف العقوبة بردع الجاني عن جريمته، وزجر غيره عن اقتراف مثل جنايته، فهو يؤكد تأكيدا جازما للمجرم قبل ارتكاب جريمته، وعند التكفير فيها وأثناء اقترافها أن الجزاء الذي ينتظره هو مثل عمله تماما، وهذا يجبره على التفكير كثيرا والتردد في الجريمة عند الإقدام عليها، فهو موعظة له ولغيره في التنفير من القتل وبيان عاقبته، ليبتعدوا جميعا عن الإجرام ويحافظوا على الحياة. [1]
القصاص يشفي غيظ المجني عليه أو أوليائه وأقربائه وأهله؛ لأنهم يوقنون أن الجاني لقي نفس المصير الذي وقع بهم، فتهدأ نفوسهم ويفقدون المسوغ والحجة للأخذ بالثأر؛ لأن القاتل قتل.
وهذه الحكمة في شفاء غيظ المجني عليه أحد الأسباب لمنحه حق التنفيذ، ومباشرة القصاص والقتل بيده ليشفي ألم مصابه من جهة، وإنه أسلوب حكيم لاستدعاء الرحمة منه وإشفاقه من التنفيذ، ثم عفوه عن المجني عليه من جهة ثانية. [2]
[1] – الإسلام عقيدة وشريعة، محمود شلتوت، ص 293
[2] المدخل العام، للزرقا، 2/630، النظريات الفقهية ، محمد الزحيلي، ص 47-48 .