من كتاب دروس في علم الاصول – الاجتهاد – 3

من كتاب دروس في علم الاصول – الحلقة الاولى في سؤال وجواب

بقلم الدكتور ضرغام كريم الموسوي – جامعة كربلاء كلية العلوم الاسلامية

  • كيف واجه أهل البيت ( وأصحابهم الإجتهاد الذي بمعنى ( الرأي الشخصي) ؟

ج: لقد دخلت الحملة ضد هذا المبدأ الفقهي دور التصنيف في عصر الأئمة أيضا والرواة الذين حملوا آثارهم ، وكانت الحملة تستعمل كلمة الإجتهاد غالباً للتعبير عن ذلك المبدأ وفقا للمصطلح الذي جاء في الروايات .

  • ما ابرز المصنفات التي أُلفت للرد على من قال بالإجتهاد الذي بمعنى ( الرأي الشخصي)؟

ج: لقد صنّفت مجموعة من الكتب للرد عليهم منها:

ما صنّفه عبد الله بن عبد الرحمن الزبيري كتبا أسماه (الاستفادة في الطعون على الأوائل والرد على أصحاب الإجتهاد  والقياس).

وصنّف هلال بن إبراهيم بن أبي الفتح المدني كتابا في الموضوع باسم كتاب (الرد على من رد آثار الرسول واعتمد على نتائج العقول)،

وصنف في عصر الغيبة الصغرى أو قريباً منه إسماعيل بن علي ابن إسحاق بن أبي سهل النوبختي كتاباً في الرد على عيسى بن أبان في الإجتهاد ، كما نص على ذلك كله النجاشي صاحب الرجال في ترجمة كل واحد من هؤلاء .

وفي أعقاب الغيبة الصغرى نجد الصدوق (381هـ)في أواسط القرن الرابع يواصل تلك الحملة ، ونذكر له على سبيل المثال تعقيبه على قصة موسى والخضر، إذ كتب يقول : ( إنَّ موسى % مع‏ كمال‏ عقله‏ وفضله ومحله من الله تعالى ذكره لم يستدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر % حتى اشتبه عليه وجه الأمر فيه , وسخط جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله فرضي , ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو فنى في الفكر عمره , فإذا لم يجز لأنبياء الله و رسله ( القياس و الاستنباط و الاستخراج كان من دونهم من الأمم أولى بأن لا يجوز لهم ذلك‏… فإذا لم يصلح موسى % للاختيار مع فضله و محله فكيف تصلح الأمة لاختيار الإمام بآرائها و كيف يصلحون‏ لاستنباط الأحكام و استخراجها بعقولهم الناقصة و آرائهم المتفاوتة)([1]) .

وفي أواخر القرن الرابع يجئ الشيخ المفيد (ت413هـ) فيسير على الخط نفسه ويهجم على الإجتهاد ، وهو يعبر بهذه الكلمة عن ذلك المبدأ الفقهي التفكير الشخصي ويكتب كتابا في ذلك باسم (النقض على ابن الجنيد في إجتهاد الرأي).

ونجد المصطلح نفسه لدى السيد المرتضى (ت436هـ) في أوائل القرن الخامس ، إذ كتب في الذريعة يذم الإجتهاد ويقول : إنَّ الإجتهاد باطل ، وإن الإماميّة لا يجوز عندهم العمل بالظن ولا الرأي ولا الإجتهاد([2]), وكتب في كتابه الفقهي ( الانتصار ) معرضا بابن الجنيد – قائلا : (إنَّما عوّل ابن الجنيد في هذه المسألة على ضرب من الرأي والإجتهاد وخطأه ظاهر)([3]), وقال في مسألة مسح الرجلين في فصل الطهارة من كتاب الانتصار: إنَّا لا نرى الإجتهاد ولا نقول به([4]).

واستمر هذا الاصطلاح في كلمة الإجتهاد بعد ذلك أيضا فالشيخ الطوسي (ت460هـ) الذي توفي في أواسط القرن الخامس يكتب في كتاب العدة قائلا : ( أما القياس والإجتهاد فعندنا إنَّهما ليسا بدليلين ، بل محظور في الشريعة استعمالها )([5]).

وفي أواخر القرن السادس يعرض ابن إدريس في مسألة تعارض البينتين من كتابه السرائر عدداً من المرجحات لإحدى البينتين على الأخرى ثمَّ يعقب ذلك قائلاً : ( ولا ترجيح بغير ذلك عند أصحابنا ، والقياس والاستحسان والإجتهاد باطل عندنا )([6]) .

وهكذا تدل هذه النصوص بتعاقبها التاريخي المتتابع على أن كلمة الإجتهاد كانت تعبيراً عن ذلك المبدأ الفقهي المتقدم إلى أوائل القرن السابع ، وعلى هذا الأساس اكتسبت الكلمة لونا مقيتاً وطابعاً من الكراهية والاشمئزاز في الذهنيّة الفقهيّة الإماميّة نتيجة لمعارضة ذلك المبدأ والايمان ببطلانه .


 ([1])الصدوق: علل الشرائع ‏1 : 62ـ 63.

 ([2])الشريف المرتضى: الذريعة الى‏ اصول الشريعة 2: 636 و 646، نقلًا بالمعنى‏.

 ([3])الشريف المرتضى: الانتصار, تحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي, سنة الطبع : شوال المكرم 1415 , الناشر : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة: 488.

 ([4]) الشريف المرتضى: الانتصار: 113.

 ([5])الطوسي: محمد بن الحسن: العدة في أصول الفقه , تح : محمد رضا الأنصاري القمي, ط1ـ 1417 – 1376 ش, المطبعة : ستاره – قم1: 8.

 ([6])السرائر: ابن إدريس الحلي, تح: لجنة التحقيق, ط2ـ 1410, طبع ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة2: 170.