من كتاب دروس في علم الاصول – الحلقة الاولى في سؤال وجواب
بقلم الدكتور ضرغام كريم الموسوي – جامعة كربلاء كلية العلوم الاسلامية
- لماذا يعد تصور اللفظ سبب لتصور المعنى ؟
ج: يُذكرُ في علم الأصول عادة إتجاهان في الجواب على هذ السؤال الأساس وابتكر السيد الصدر u اتجاها ثالثا :
الاتجاه الأول : علاقة السببيّة الذاتية : ويقوم على أساس الاعتقاد بأنَّ علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته , كما نبعت علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ (الماء) مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذا يؤكد هذا الاتجاه أنَّ دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.
الاتجاه الثاني: نظرية الاعتبار : وهي تبين أنَّ العلاقات اللغويّة بين اللفظ والمعنى نشأت بسبب عامل خارجيّ، و ليس ذاتياً, إذ انَّ هذه العلاقة بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الأول أو الاشخاص الاوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معيّنة لمعان خاصة، فاكتسبت الألفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الاوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب (الوضع)، ويسمى الممارس له (واضعا)، واللفظ (موضوعا)، والمعنى (موضوعا له).
الاتجاه الثالث: هو ما ذهب اليه السيد الصدر (العلاقة الاقترانية) : نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الأمر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما , فإن علاقة السببيّة التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري, وهو أنَّ كل شيئين إذا اقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الإنسان مراراً عديدة ولو على سبيل الصدفة , أو مرةً واحدةً وكان الاقتران في ظرف مؤثر, قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.
- ما موقف السيد الصدر uمن الاتجاه الأول (العلاقة الذاتية) , وما الاشكاليّة التي أثارها حوله؟
ج: رفض السيد الصدر uهذا الاتجاه , وعلل رفضه بان دلالة اللفظ على المعنى وعلاقته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة (الماء) عند تصوره للكلمة ؟ ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.
- ما موقف السيد الصدر uمن الاتجاه الثاني (العلاقة الوضعيّة) ؟ وما هي الاشكاليّة التي أثارها حوله؟
ج: إنَّ السيد الصدر u يتفق معه في انكار العلاقة الذاتية , ويختلف معه بأنَّه كيف استطاع مؤسس اللغة أنْ يوجد علاقة السببيّة بين شيئين لا علاقة بينهما ؟ وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سبباً لتصور المعنى لكي يصبح سبباً لتصور المعنى حقيقة؟