بقلم: م.م حسن عبدالهادي رشيد – جامعة كربلاء كلية العلوم الاسلامية
قالَ الإمامُ عليٌّ (عليهِ السّلامُ): (إذا عاتَبْتَ الحَدَثَ فاترُكْ لَهُ مَوضِعاً مِنْ ذَنبِهِ لَئلّا يحمِلَهُ الإحراجُ على المُكابَرَةِ).
يذهَبُ عُلماءُ التَّربيةِ الى ضَرورَةِ مُراعاةِ المُستَوى النَّفسيِّ والعاطِفيِّ للأطفالِ عندَما يقومُ الأبوانِ بدورِهِما التوجيهيِّ لأبنائِهِم؛ فإنَّ بعضَ الأطفالِ والناشئينَ (حَسَّاسٌ) وخُصوصاً في مرحلةِ المراهَقَةِ تزدادُ حَساسيّةُ المُراهقِ جِدّاً.
إنَّ بعضَ الأطفالِ يَقَعُ في السُّلوكِ الخاطئِ لا عَنْ قَصدٍ، وإنّما بمُقتَضَى صفائهِ القَلبيِّ وسَذاجَةِ مُستواهُ المَعرِفيِّ؛ كما أنَّهُ قد لا يَفهَمُ الهَدَفَ مِنْ وراءِ غَضَبِكَ عليهِ ولا يُدرِكُ المَصلَحَةَ مِن وراءِ رَدعِهِ وتوجيهِهِ عَنِ السُّلوكِ الغَلطِ.
وكَثرةُ اللّومِ والعِتابِ تؤدّي الى نتائجَ سَلبيّةٍ في الأعمِّ الأغلَبِ، لهذا يؤكِّدُ الإمامُ عليٌّ –عليهِ السَّلامُ- في الخَبرِ المرويِّ عَنهُ: (إذا عاتَبْتَ الحَدَثَ فاترُكْ لَهُ مَوضِعاً مِنْ ذَنبِهِ لَئلّا يحمِلَهُ الإحراجُ على المُكابَرَةِ)
كأسلوبٍ تربويٍّ ينبَغِي على الآباءِ والأُمّهاتِ والمُرَبّينَ اعتمادَهُ في التوجيهِ بَعيداً عَنِ اعتمادِ الضَّغطِ وسَلبِ الحَدَثِ حُرِّيتَهُ بصورةٍ تَامَّةٍ في التعبيرِ عَنْ مَوقِفِهِ؛ إذْ أنَّ الإلحاحَ في المُعاتَبَةِ قَد يؤدّي الى نتائجَ مَعكوسةٍ وَهِيَ (المُكابَرَةِ) بسببِ الحَرَجِ الذي يَشعُرُ بهِ الحَدَثُ، مِنْ دونِ تَساهُلٍ وتَراخٍ قَد يؤدّي بهِ الى التمّادي واللامُبالاةِ فيكونُ مُنفَلِتاً ووَقِحاً الى دَرَجَةٍ تَسوءُ أخلاقُهُ (فَلا إفراطَ ولا تفريطَ)
ولكِنْ مَتى نُطَبِّقُ هذا الأسلوبَ على أبنائنا؟
أوّلاً: ينبَغِي أنْ يُعتَمَدَ هذا الأسلوبُ لمَنْ هُمْ في عُمرِ العاشِرَةِ صُعوداً، أمّا دونَ العاشِرَةِ فَيَجِبُ مُراعاةُ مُستواهُ الفِكريِّ وعُمقِ استيعابِهِ للأمورِ.
ثانياً: يجِبُ التمييزُ بينَ خَطأٍ وخَطأٍ، ففي بعضِ الأخطاءِ لا يجِبُ أنْ نُعطي (الابنَ الحَدَثَ) فُرصَةً لتبريرِ سُوءِ فِعلِهِ؛ لئلّا يتصوَّرَ أنَّ الذنبَ مُمكِنٌ تَكرارُهُ، فالحَزمُ مَطلوبٌ في التوجيهِ في بعضِ المواقِفِ، فمَثلاً عندَما يدخُلُ في شِجارٍ معَ الآخرينَ لأسبابٍ بَسيطَةٍ فَمِنَ المُهِمِّ أنْ نترُكَ لَهُ مساحةً يُعَبِّرُ فِيها عَنْ مُبَرِّراتِهِ، لكِنْ إذا ضُبِطَ بأنَّهُ يُدَخِّنُ السَّكائرَ فَهُنا يجِبُ أنْ لانفسَحَ لَهُ المجالَ في تبريرِ خَطأهِ البَتَّةَ، ونَردَعَهُ بحَزمٍ، ونُوَضِّحَ لَهُ أسبابَ ذَلكَ.
ثالثاً: يجِبُ اغتنامُ رَدِّ فِعلِهِ تُجاهَ ما نُوَجِّهُهُ بهِ، ومُلاحَظَةُ مواقِفِهِ عندَ المُعاتَبَةِ؛ – هَلْ يبكي وينفَعِلُ أم هُوَ قويٌّ صامِدٌ ويتَحَدَّثُ بِلَبَاقَةٍ؟ أو هُوَ عَنيفٌ يَرُدُّ بصورةٍ حادّةٍ وقاسِيَةٍ؟ لِكي نُحَدِّدَ الطريقةَ المُناسِبَةَ لتوجيهِهِ بِما يجعَلُهُ لا ينكَسِرُ أو يتهَوَّرُ، بَلْ يكونُ واعياً وواثقاً بنفسِهِ.
رابعاً: انتقاءُ التعبيرِ الإيجابيِّ عندَ المُعاتَبَةِ وتجنّبُ النظراتِ الاستفزازيّةِ التي تجعَلُهُ مُنفَعِلاً وبالتّالي يُكابِرُ ويُصِرُّ على ذَنبهِ، فإنَّ الهدفَ مِنْ وراءِ المُعاتَبَةِ هُوَ توجيهُ تفكيرِهِ توجيهاً سَليمًا، وبناءُ شخصيّتِهِ وليسَ الانتقامَ منهُ؛ لأنّهُ هُوَ ابنُكَ أو ابنَتُكَ، وينبَغِي إشعارُهُ بالمَحَبّةِ والرَّحمَةِ واللُّطفِ.